14-ديسمبر-2015

صلاح دياب، صاحب المصري اليوم

كسب السفير سامح شكري معركة، وخسر الحرب. طرح ميكروفون "الجزيرة" أرضًا بغلّ وشجاعة، حسده عليهما وزير الري، حسام مغازي، في تصريحات صحفية قائلًا: "أنا اللي نبهته". كسر شكري ميكروفون القناة القطرية، لكنه خرج من أرض المعركة مكسورًا، مقصوص الجناح، مقصوف الرقبة، خاسرًا جولة قاتلة من جولات مباراة سد النهضة.

كسبت مصر بكسر ميكرفون قناة الجزيرة جولة في معركة مع قطر داخل حلبة مباراة أثيوبيا! 

مشهد سامح شكري في ختام اجتماعات سد النهضة، بالعاصمة السودانية، يجيب عن السؤال الصعب: كيف تدير السلطة المصرية أزماتها؟ ولماذا تورط الدولة في أزمات جديدة؟ استقوى وزير الخارجية المصري على ميكروفون ضعيف، قليل الحيلة، محمَّلًا بطاقة سلبية بعدما فشل في المفاوضات، وخرج بلا حلّ يرضي الطرف المصري. ستقول: وما ذنب "الجزيرة"؟ سأقول إن المصريين يعشقون البطولات الزائفة، والمشاهد الفاضحة حتى لو كانت بلا معنى ولا هدف، والصريخ والضجيج و"التعليم" على الخصوم بمناسبة ودون مناسبة. 

ستسأل: وهل المعركة الآن ضد "الجزيرة"؟ الإجابة: لا، لكن مصر كسبت بكسر ميكرفون الجزيرة جولة في معركة مع قطر داخل حلبة مباراة أثيوبيا! وهذا اللَبْس يكشف جانبًا كوميديًا من تعاطي المسؤولين المصريين مع السياسات الخارجية والداخلية.. لقد خرج الرجل من مؤتمر سد النهضة "قفاه يقمّر عيش" -حسب المثل المصري– فأراد أن يسجّل لقطة تشفي غليله، وتلهي الناس عن تحليل هزيمة مصر. كل ما جال بخاطر الرجل في تلك اللحظة إن ناشطًا سيكتب على تويتر: "مصر هتعطش"، فيردّ عليه مواطن شريف: "مش مهم.. المهم اللي سيادة السفير عمله في ميكروفون الجزيرة، فرمه، شرخه، كسَّره حتت.. رجل من ظهر رجل".

يحب المصريون لَقَطَات الحواري والجواري، التي ورثوها من حكم المماليك – العبيد – فقد كانوا يخسرون معاركهم على الأرض، ثم يتّجهون إلى تشويه الخصوم، وإلصاق الإهانة بهم مدى الحياة بألاعيب وألفاظ بلا معنى تجلب العار لمن تمسه، وقواميس الشتائم وطرق الإهانات التي لازلنا نتمتع بها إلى الآن وِرْثٌ من أجدادنا "المماليك" نعتز به ولا نريد أن نتركه أو يتركنا في مصر. إذا أردت أن تحلل كيف تحكم السلطة في مصر بـ"فقه العبيد" استحضر روح مشهدين أمامك.

حين طرقت قوة أمنية باب صلاح دياب، مالك "المصري اليوم"، للقبض عليه كان يمكن أن تحترمه، وتخرج به إلى "بوكس" الشرطة دون تقييده أو تصويره ذليلًا وفي أشدّ حالاته سوءا، فالرجل لن يهرب، ثم إنه ليس متهمًا بشيء أكثر من حمل سلاح غير مرخص، وانتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وأرسلت إلى جرائد ومواقع إخبارية للنشر بالأمر. القدر كان يرتب لصلاح دياب مصيرًا آخر لولا إنه أطلق صحيفة "المصري اليوم" لنقد الرئيس وأجهزة الأمن، ووزارة الداخلية تحديدًا بحرية وصلت إلى حد الإهانة.

من المفارقات المصرية تحويل أبو تريكة إلى أبي بكر البغدادي، أخطر إرهابي في العالم

(هامش لن يضحك عليك، ويمكن أن تقفز إلى الفقرة التالية دون قراءته: صلاح دياب لم يمنح صحيفته الحرية الكاملة لأنه رجل وطني أو معارض شريف أو صاحب وجهة نظر تدفعه إلى اصطياد النظام بقذائفه.. هو أبعد ما يكون عن صورة المناضل المثال، والأمر كله – بالنسبة له – تصفية حسابات، وتسوية حسابات، وكارت إرهاب للنظام من الجور على رصيده في البنك). 

ما الذي كان يرتبه القدر لدياب إذن؟ الرئيس السيسي دعاه للجلوس بجواره في اجتماعات رجال الأعمال، وهو المكان الذي احتله، ولم يتخلَّ عنه في أكثر من مناسبة، إنما سوء حظه واعتقاده إنه بما يملكه أقوى من الدولة دفع النظام إلى التنكيل به، وقهره.. كانت عملية إذلال لا "ضبط وإحضار"!

العبيد، كما ورد في الأثر، حين أرادوا إذلال فتوة حارة بمصر القديمة، سلّطوا عليه طفل صغير غرز إصبعه الوسطى داخل مؤخرته في الطريق العام، فقد الفتوة هيبته، وكانت فضيحة طاردته طوال حياته، وهو ما حدث بالضبط مع صلاح دياب!

المشهد الثاني حين غضب النظام على محمد أبو تريكة، فتَّش في دفاتره القديمة فلم يجد سرًا، اللاعب يتعاطف مع غزة بالتيشيرت، يمد "الشورت" إلى الركبة حسب التقاليد الإسلامية، يذكر الله في حواراته بين كل جملة والثانية، يغضّ بصره عن مذيعات التليفزيون، لا يهاجم الإخوان، ولا يخفي تعاطفه معهم، لا يساند النظام الحالي ولا يحضر حفلاته. كل شيء يخصّ أبو تريكة "أونلاين" على الهواء مباشرة حتى كونه انضم إلى جماعة الإخوان في شبابه على يد صفوت حجازي قصة تدور في أوساط النميمة، إلا إن الآلة الإعلامية القذرة أهالت التراب عليه بأكثر مما ينبغي، واتهمته بالمشاركة في اعتصام رابعة العدوية رغم عدم وجود صورة تثبت ذلك، وساندتها آلات قذرة أخرى في تشويه الرجل بخطط العبيد الشهيرة، فوضعت في ملفه الأمني إنه موّل الاعتصام، ويموّل العمليات الإرهابية على الحدود وفي شوارع القاهرة من خلال شركاته، التي تشتري البندقيات والبارود وتوفر الخرائط لجموع الإرهابيين! في لحظة، تحوّل أبو تريكة إلى أبي بكر البغدادي، أخطر إرهابي في العالم.

استغل العبيد قدرتهم على التشويه لاغتياله معنويًا، فأن تكون متعاطفًا مع اعتصام أمر مقبول، أمّا أن تكون وراء قتل الضباط واغتيال الأبرياء على الحدود فهذه فضيحة وجريمة ووصمة أرادوها نهاية لمشوار لاعب كرة لا يفهم في السياسة ولا الدين وجعل الله رزقه في رجليه!

اقرأ/ي أيضًا:

برلمان "30 يونيو" على سرير النظام

عند أسوار الاتحادية