08-ديسمبر-2020

لوحة لـ برنارد كاثيلين/ فرنسا

ما زلت أصارع أرقي وأبحث عن وضعية لأنام، لكنّ هاجس ما سيحدث في اليوم الموالي ينتصب فوق جبهتي ويطلّ على عينيّ بشقاوة عفريت، فتحدث حيرة السؤال فعلَ التعويذة على جفني تمامًا مثل مغارة علي بابا والأربعين حرامي.

تلك الخلطة من الدهشة والخوف والفرح و الجنون والحيرة والتحدي أيضًا، تصنع معجزة في عينيّ فأتحول في ذلك الظلام الدامس إلى قطة ببؤبؤين ملتهبين، وتتحول أفكاري إلى راقصات غضات بأقنعة آلهة بالي (1) تمارسن طقوس رقصة لوغونغ (2)، تَحُمنَ حول رغبتي على رِؤوس أصابع الشوق المعتق.

الشوق؟؟

مغارة علي بابا.. افتحي.. افتحي..

وها هو الشوق عاريًا من كل أثواب الزمن والمسافات، منتصبًا بقامة آلاف الأميال ووزن قرون انتظار.. أشواقنا يا آدم لها لون التراب ورائحته مبللًا بالمطر.. مطرنا يا آدم زخات ماء الروح على جذوة الجسد.

جسدي ذبل منذ انحناءة الضلع الأعوج المنسوب إلى صدرك.. لقد كان هناك جزءًا من جسدك وها هو يتوق إلى التوحد بك مرة أخرى بعد زمن القحط والذبول.

غفا آدم وإذ بها تنزلق منه إليه، فتح جفنيه وإذ بها مضيئة، ملتهبة، شهية تنتصب قدّامه.. أي التعويذات قادرة على حملك إليّ الآن؟

آدمي.. الليل صامتٌ وطال بردُ غيابك حتى أنني ألــِفته تماما مثلما ألــِفتُ رائحة شواظ أشيائي.

آدمي.. من زمان، من وأنا طفلة، لم يكن العالم في عينيّ كما هو أمامي بل كما أحلمه. أحلامي ذكرياتي.

"ليس العمر ما عشناه بل ما نذكره" (3).

كم قرنًا عشتُه إذًا؟

خطواتي المتراخية وهيكلي الضامر المحدودب. نظراتي الخاوية ووجهي الشاحب، عيوني المحاطة بهالات سوداء، شفاهي اليابسة المشدودة، أنفاسي المتقطعة.. هذا المخلوق الرمادي الآيل للتلاشي أو ما يوحي به.. جزء من وجودي أو ما تبقى مني.

فمتى يُستكمل خلقك؟

متى تنفتح مغارة انبثاقك لأنهب منها وقتا للفرح؟

.. تصورت دائمًا البعوض مصاص دماء مقيت يأتي به الصيف هذا الفصل الذي أمقته، والذي لا يناسب على حدّ تعبير أحدهم من الكائنات غير الذباب والحشرات.

أشعر بوخز بعوضة على خدي، أنسف مرة أخرى، أمسح عرقي المتدحرج قطرات قطرات على بطني المشدود إلى ظهري، كلما لامست بطني أدركت كم أنا نحيلة، أمي تُعلّق على ذلك بتعب:

ـ هذا كله من مخك الذي تسكنه الشياطين الموسوسة.. لو كان عندك راحة بال كنت سمنت مثل بقية النساء. رغم أنها تحب شكلي وتتباهى بي في الأعراس بفساتين الموسلين السوداء غالبًا، الملتصقة بجسدي الذي لا تشوهه نتوءات أو شحوم زائدة، مع أنها لا تقول ذلك صراحة إلا أنني أقرأه صاخبًا في عينيها وهي تقدمني للآخرين.

لكن أنا لا يهمني من الناس أحد، وحدهما بؤبؤاك وحدقتاك وقزحيتاك في تركيبة موشور الضوء والصورة عندك، تشغلني.

قد قلت لي ذات حلمٍ جميلٍ:

ـ أنتِ جميلة.

جملتَك الاسمية البسيطة رحت أزرع فوقها وتحتها وعلى جنباتها، وبين التصاقات حروفها بمبتدئها الذي تبدأ عنده أسئلتي وخبرها الذي يفتح طابور احتمالاتي، ورحت أضيف حرفًا وأصنع نقاطًا كثيرة وفراغًا:

ـ كم أنتِ جميلة..

ثم أعود وأشطب خربشاتي الغبية وأضحك من نفسي.

تنقلب الجملة في رأسي كجنين يلعب ويتشقلب في بطن أمه، يضع القدم موضع الرأس، ويبتسم وإذا به يدفع بها إلى العملية القيصرية:

ـ جميلة أنتِ.

أحتاج بنجًا الآن.. أريد مخدرًا طويل الأمد، ها هو القدم موضع الرأس وها أنا أنتظر مشرط الجراحة لألد جملتك كذبة جديدة.

لكن العرق ما يزال يُملّح جثتي، وما زال طنين البعوض يقرفني، ونبش الجرذان في كيس القمامة ونباح الجرو الأجرب. ومازلت لم أكتشف بعد تعويذة المغارة في انتظار اليوم الموالي.

عليك ان تصبر أيضًا..

سأحكيك ما حدث في اليوم الموالي في رسالة قادمة قديمة.

 

هوامش:

1- جزيرة أندونيسية

2- رقصة تعرف بها بالي تنفذها فتيات

3- غابرييل غارسيا ماركيز.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داكتيلو

فلوريان غانتنر: تجربة دمشق