05-أغسطس-2015

أمام مكتبة السائح قبل إحراقها (فيسبوك)

عند سؤالك عن مكتبة السائح في طرابلس ستكتشف أن الجميع يعلم الطريق إليها. يستفيضون في توجيهك بفرحٍ إلى تلك المكتبة التاريخية التي تحتضنها المدينة منذ 1975. تلك المكتبة العائدة للأب إبراهيم سرّوج والتي تقع في شارع الراهبات في طرابلس منذ 1985، كانت تضم حتى نشوب الحريق فيها السنة الماضية ما يُقدَّر بـ85200 عنوانًا. وفي أوائل كانون الثاني/يناير من عام 2014، أضرم شباب النيران في المكتبة، وقيل إن السبب يعود إلى نشر الأب سروج في مكتبته صفحات تحتوي نقداً للرسول، لكنها شائعات.

 تكمن داخل جدران مكتبة السائح روايات لا تنتهي

لم تقفل المكتبة أبوابها إلا ليومين فقط، وبعد ذلك عاودت نشاطها اليومي. يقول الأب سروج أنه لم يحص الخسائر إلا انها تشكل تقريبًا من 20% إلى 30% من الكتب، والبعض منها ما زال قيد الترميم. أدى إحراق المكتبة إلى موجة من الاستنكارات في طرابلس، وقد اجتمع عدد من الشباب، وهم محبين للرسول أيضاً، في المدينة من خلال مبادرة "كفانا صمتًا"  لتقديم المساعدة للأب سروج ومساعدته على ترميم مكتبته بعد الحريق الذي حصل. تم الاتفاق على تأهيل كامل المكتبة. غير أن العمل على الترميم كان بطيئاً للغاية وجودة العمل لم تكن جيدة بل أقل من متوسطة. رغم أن المبلغ الذي جمع حينها كان كبيرًا. لكن الأب سروج لم يستلم أوراقًا مفصلة عن التكاليف التي صرفت على عملية الترميم، التي لم تكن كما المتوقع. وقد أعيد افتتاحها في أوائل كانون الثاني/يناير من العام 2015. وفي هذه المناسبة نفذت ابنة المدينة، المخرجة، ليدا كبارة، فيلماً قصيراً عن هذا العمل.

خلال يوم عادي، تدخل إمرأة لتسأل عن ديوان لـخليل روكز. يتقن الأب سروج فن التعامل مع الناس، فيبدو المار أو الداخل إلى المكتبة مرتاحًا. يسرد لها ما يملك للشاعر من دواوين، تخبره عن إحدى أقربائها الموهوبة في الكتابة، فيطلب منها أن تحضر معها في المرة المقبلة لإلقاء نظرة على كتاباتها. يدعم الرجل المواهب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأب سروج يتابع الصحف اليومية على اختلاف توجهاتها السياسية.

تعد هذه المكتبة كنزاً ثقافياً مهماً، كما يعتبرها أبناء هذه المدينة، رغم محاولات تدمير هذا الإرث من الظلاميين. ويعتبر الأب من الرجال المثقفين في المدينة. فبالإضافة إلى معرفته اللاهوتية، يتقن الرجل لغات عديدة ويتواصل بها مع الناس. يبدو الرجل متفائلًا دائماً. يصحو باكرًا ليفتح أبواب هذه المكتبة، يستمع إلى مطالب الناس ويسعى لتأمينها. في حوزته روايات كثيرة عن المدينة، عن أسواقها وعن ناسها، يبدو الداخل إلى المكتبة كالسائح، والأب سروج برواياته كالدليل السياحي. هنا داخل جدران هذه المكتبة، روايات لا تنتهي.

يعلم الأب سروج مكان الكتب غيبًا. يستطيع تذكّر أمكنتها رغم أنها تحصى بالآلاف. يقول إنهم لم يدخلوا نظام الحاسوب إلى المكتبة حتى عام 2005. تستطيع من جولة صغير في المكتبة أن تعي كم يعتني هذا الرجل بكتبه، فجميعها مغلفة بأكياس من النايلون الشفاف للمحافظة عليها من الغبار. قد تجد في إحدى الرفوف مخطوطات نادرة وكتب لا وجود لها في أي مكان آخر، عن إشكالية القومية العربية، وكتب فلسفية ودينية، إلى جانب كتب تطرح إشكالية العقل العربي والفكر الإسلامي. حتى أن المكتبة تضم أيضًا بعض الكتب باللغة الروسية والألمانية. تجدر الإشارة هنا أن أغلب الكتب هي قديمة، فالرجل لا يستقدم إصدارات حديثة إلا عند طلب الزبائن. في مكتبه تجد كتب نادرة، عمل العم سرّوج على المحافظة عليها ونسخها لكي تستمر. أن تستمر، هذه هي رغبة السائح في مكتبه.