29-ديسمبر-2015

أحد أحياء نواكشوط(الترا صوت)

لا يعرف العديد من الناس سبب تسمية العاصمة الموريتانية باسم "نواكشوط" وخاصة من العرب والأجانب، بالإضافة إلى فئة كبيرة من الموريتانيين أنفسهم. ترجع التسمية التي يعتبرها البعض غريبة، إلى بئر يقع في وسط المدينة والذي أخذت منه التسمية، حيث كان أحد أهم الآبار في المنطقة نظرًا لعذوبة مياهه، في منطقة عرفت ارتفاع منسوب مياه البحر وملوحة الأرض وبالطبع ملوحة المياه الجوفية.

تحولت نواكشوط إلى مستنقع كبير من المياه الراكدة منذ فترة وزاد انعدام شبكات الصرف الصحي ونبوغ المياه الجوفية إلى سطح الأرض الوضع تأزمًا

من الغريب أن بئر "نواكشوط" تحول من بئر استراتيجي لمياه الشرب في خمسينيات القرن العشرين، إلى خزان لمياه الصرف الصحي بإشراف الدولة الموريتانية طوال عقود من الزمن، ثم تحول بعد ذلك موقع نواكشوط إلى مستنقع كبير تنمو فيه النباتات النهرية والأعشاب الغريبة التي نقلت بذورها الرياح والطيور المهاجرة إليه، بعد أن هجرته الصيانة ورفعت عنه الدولة يدها. فيما يشهد الموقع محاولات يائسة منذ أيلول/سبتمبر الماضي لإفراغه من قبل السلطات المحلية من المياه الآسنة، نظرًا لتعريض مستشفى الأم والطفل للخطر حيث لا يفصله عن المياه الراكدة إلا شارع بعرض عشرين مترًا.

ولكن ما يشكل مفارقة لدى الكثير من الموريتانيين أن منطقة بئر نواكشوط التي سميت عليها العاصمة السياسية للبلاد فيما بعد، شكلت مشهدًا فظيعًا للمستنقعات الآسنة والمياه الراكدة في هذه الآونة، وصار البئر مستنقعًا كبيرًا بل أشبه بالبحيرة التي تحفها الأشجار، لكن الأغرب من ذلك هو أن العاصمة نواكشوط أخذت في التحول إلى ما يشبه وضع البئر، بسبب انعدام شبكات الصرف الصحي، إلى جانب نبوغ المياه الجوفية إلى سطح الأرض، حسب عديد الخبراء.

تشهد العاصمة نواكشوط خلال الفترة ما بين آب/أغسطس إلى بداية تشرين الأول/أكتوبر فصل الخريف وهي الفترة التي تتهاطل فيها الأمطار بغزارة مخلفة بعدها المستنقعات وسط المدينة وفي أحيائها العشوائية وحتى الراقية، حيث تعاني أحياء ومدن من حصار المياه لها، فيما تطرد المستنقعات وأسراب البعوض عشرات الأسر من منازلها، فمثلًا تحتفظ بعض أحياء محافظة السبخة في العاصمة ببرك المياه من العام إلى العام الآخر دون أن تجف، وهو ما أرجعه العديد من الخبراء إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بسبب ارتفاع مستوى مياه المحيط الأطلسي.

تتعدد المستنقعات في الأحياء الراقية والعشوائية لنواكشوط حيث تعاني أحياء من حصار المياه لها، فيما تطرد أسراب البعوض عشرات الأسر من منازلها

وقام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بوضع حجر الأساس لمشروع شبكة شفط مياه الأمطار وهو ممول من طرف جمهورية الصين الشعبية. يستهدف المشروع خمسًا من محافظات العاصمة نواكشوط التسع وهي: لكصر (التي يقع فيها بئر نواكشوط)، والميناء، والسبخة، وتفرغ زينة، بالإضافة إلى محافظة تيارت، معتبرًا "أن المشروع من بين أهم المشاريع الاستراتيجية التي جرى تنفيذها في موريتانيا". لكن وضع الحجر الأساس وحده لا يكفي ففي العديد من المرات تم التراجع عن مشاريع بعد وضع حجر الأساس لها.

يقول المدون والكاتب محمد الأمين الفاضل لـ"الترا صوت": إنه "سبق وتم وضع الحجر الأساس لمشروع بناء شبكة للصرف الصحي في العام 2010 ضمن خطة تستهدف أربع محافظات من العاصمة، ولكنهم سرعان ما تراجعوا عن الأمر وتم إلغاء هذا المشروع بحجة أن تكاليفه كانت كبيرة". وأضاف "أنه لن يكون هناك أي صرف صحي بالعاصمة خلال مأمورية الرئيس الذي كان قد وعد بصرف صحي في العاصمة بعد انقلابه، وكرر ذلك الوعد من بعد ذلك أكثر من مرة".

الحسن ولد محمد زعيم المعارضة الموريتانية وعمدة بلدية "عرفات" المحافظة الأكبر بنواكشوط وفي موريتانيا من حيث الكثافة السكانية، كان قد أعلن "عرفات" مدينة منكوبة بسبب ما أدت إليه الأمطار الغزيرة من أضرار للسكان عام 2013، وهو ما جعل العشرات منهم دون مأوى، وبلغ الأمر بعمدة المحافظة إلى المطالبة بتغيير موقع العاصمة نواكشوط ونقلها إلى مكان آخر بسبب، ما أسماه، ارتفاع منسوب مياه المحيط وهو ما اعتبره تهديدًا لسكان نواكشوط مما يعرض العاصمة السياسية لموريتانيا لخطر كبير.

ويرى عديد المراقبين أن الأخطر من مشكل الصرف الصحي وشفط مياه البحر، اعتماد الحكومة الموريتانية على حلول مؤقتة دون دراسة طويلة الأمد تفضي إلى تنفيذ مشاريع تنهي أزمة الصرف الصحي دون رجعة. إلى الآن، لا تزال الصهاريج المحمولة على الشاحنات، الطريقة الوحيدة لإفراغ المجاري الخاصة بالمنازل والمقار الحكومية وغيرها من البنايات، رغم وجود بعض الفتحات على الشوارع الرئيسية وسط العاصمة والتي ترتبط بخزانات لا تتعدى سعتها العشرين متر مكعب من الماء، وتمتلئ عادة قبل موسم الأمطار بالرمال وهو ما يجعلها عاجزة عن استيعاب الكميات الكبيرة من مياه الأمطار، لتضطر الصهاريج لإفراغها من جديد.

اقرأ/ي أيضًا:

الدولة لم تسمع بعشوائيات نواكشوط بعد!

الخيمة تزاحم المباني في موريتانيا