08-يوليو-2017

لا تدخر السلطات المصرية جهدًا لتطوير قدراتها في التجسس على الإنترنت (أود أندرسان/أ.ف.ب)

لا تكتفي الحكومة المصرية بقدرتها على حجب المواقع، ولا مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، أو اختراق الحسابات الشخصية، فتحاول دائمًا أن تحقق إنجازًا جديدًا في مجال اختراق الحياة الخاصة لمستخدميها، خوفًا من أن يفكر أحدهم، سرًا،  داخل غرفة "شات" مغلقة في الاحتجاج.

ستحصل مصر على نظام للمراقبة الإلكترونية يدعى "سيريير" من فرنسا بتكلفة قدرها 10 ملايين يورو، تهديه إليها الإمارات

وفق تحقيق نشرته مجلة "تيليراما" الفرنسية، فإن مصر ستحصل على نظام للمراقبة الإلكترونية يدعى "سيريير" من فرنسا بتكلفة قدرها 10 ملايين يورو، تهديه إليها الإمارات، التي بات يصفها الكثيرون بأنها الداعم الأول للديكتاتوريات في الشرق الأوسط.

ويوفر نظام المراقبة تتبعًا للمستخدمين عبر أجهزتهم الإلكترونية يشمل معرفة المواقع التي يتصفحونها، وتسجيل مكالماتهم الهاتفية، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر".

اقرأ/ي أيضًا: من حجب المواقع إلى اختراقها.. هذه قصة خالد البلشي وعمرو بدر

تقوم بدور الوسيط في الصفقة شركتان، الأولى "أنظمة الشرق الأوسط المتقدمة"، التي تعمل من دبي وتوصّل النظام الجديد للمخابرات المصرية، وفق التقرير الفرنسي، والثانية فرنسية تدعى NEXA، متورطة في فضائح تصدير أنظمة مراقبة مماثلة لنظام معمر القذافي في ليبيا.. استخدمها في اغتيال معارضيه أحيانًا.

بالنسبة إلى مصر، فهي تسعى دومًا إلى إحكام الرقابة على مواطنيها على الانترنت، وكأنها تريد أن تخصّص سيارة مباحث لكل شخص، فقد كشفت مصادر حكومية لوكالة رويترز في نيسان/ أبريل الماضي، أن الحكومة المصرية أوقفت خدمة التواصل المجاني المقدمة من فيسبوك ردًا على رفض الشركة تمكين السلطات من مراقبة عملائها.
ورغم أن البرلمان الأوروبي طالب، في أكثر من مناسبة، الدول الأعضاء فيه بتعليق صادراتها من المنتجات "ذات الحدين"، التي يمكن أن تستخدم في أغراض عادية وأغراض عنيفة، وذلك بسبب تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، إلَّا أن رغبة الإمارات في دعم كل الديكتاتوريات العربية تذلّل تلك التوصيات والإجراءات، خاصة وأن الحكومة الفرنسية أمرت، في وقتٍ سابق، بعدم السماح بتصدير معدات مدنية حساسة لأنظمة قمعية.

المحاولات الأولى.. "المراقبة بالقانون"

تلك ليست المحاولة الأولى للرقابة على الإنترنت والاتصالات في مصر. سبقتها عدَّة محاولات لم تفشل بالكامل، ولم تنجح جزئيًا، فقط كانت تعلن عنها الحكومة المصرية عبر صحفها أحيانًا بمنطق "الصيت ولا الغنى".

في عام 2014، أعلن وزير الداخلية إجراء ممارسة محدودة رقم 22 لسنة 2013/ 2014 باسم "مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي.. منظومة قياس الرأي العام" لتوريد أجهزة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.

أقام عدد من المنظمات الحقوقية دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري تطالب بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزارة الداخلية. في الأول من آذار/ مارس الماضي، قضت الدائرة الثامنة بمحكمة القضاء الإداري لمجلس الدولة بعدم قبول دعوى وقف مشروع "رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي"، وأيَّدت قرار وزير الداخلية بشراء أجهزة مراقبة.

لم تنتظر الداخلية المصريّة حكمًا قضائيًا، لكنه منحها مسحة قانونية على مراقبتها لمواقع التواصل الاجتماعي بالفعل دون انتظار حكم القضاء، ففي عام 2014 أعلنت الحكومة المصرية عن إجراء مناقصة بطريقة الممارسة المحدودة بهدف توريد وتشغيل برمجيات تهدف إلى مراقبة النشاط الرقمي على شبكة الانترنت، ونشرت تلك المعلومات صحيفة الوطن المصرية، فقابلها نشطاء تويتر، حينذاك، ساخرين بهاشتاغ #احنا_متراقبين.

بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 2014، نشرت بعض الصحف أن وزارة الداخلية المصرية تعاقدت مع شركة "مصر للنظم الهندسية"، التي قيل إنها فازت بالمناقصة وهي شركة تابعة لشركة أمريكية تسمى Blue Coat، متخصصة في تكنولوجيا المراقبة والتجسس، وكان للشركة المصرية سابقة في التعامل مع جهاز أمن الدولة المصري.. واستمرَّت هجمات الأجهزة المصرية على "السوشيال ميديا".

اقرأ/ي أيضًا: حجب المواقع في مصر.. البروكسي في مواجهة النظام

منتصف 2016.. مصر بلا "شات آمن"

منتصف 2016، عاودت الحكومة المصرية هجماتها على الانترنت، وكشف خبراء تقنيون ومسؤولون عن شركات للأمن المعلوماتي، في تصريحات صحفية، عن اضطرابات متكررة في نشاط الإنترنت في مصر، وأدَّت في عدّة أحيانٍ لإعاقة كاملة لعمل أدوات الاتصالات بغرض تأمين تداول المعلومات.

وكانت لدى مراقبين عدّة ملاحظات في آب/أغسطس الماضي، على رأسها أخطاء تقنية حدثت لدى قيام جهة رسمية بتثبيت وتجهيز إعدادات نظام تقني يسمح باعتراض اتصالات الإنترنت بشكل جماعي، طبقًا لمسؤول حكومي وثيق الصلة بملف إدارة الإنترنت والاتصالات في مصر.

انتهت الاضطرابات لكن آثارها والأدلة على وجودها بقيت في العلن. لم تخرجْ التدخلات الأمنية إلى النور حين اكتشف المستخدمون فجأة توقف عمل تطبيق "سيجنال" الذي كان يستخدم في المحادثات الآمنة، وطالت الاضطرابات المحادثات الصوتية والمرئية في عدة تطبيقات، فمُنِعَت.

دون التفات إلى خطر مراقبة الانترنت، كانت شركات أمن المعلومات، الدولية والمصرية، تطلق تقارير بشأن سوء حال الشبكة في مصر، وتأثير ذلك على الاقتصاد كان واضحًا في شكل خسائر بملايين الدولارات، فقبل أن يأتي أي مستثمر ليعرض بضاعته في القاهرة فإن مشكلات كمراقبة الإنترنت واحتكاره تؤخذ في الاعتبار، فالأمر وصل إلى حجب مواقع إخبارية دون حكم قضائي، ووصل كذلك إلى "هجمات إلكترونية"، فالحكومة المصرية تنافس في مجال "الهاكرز" أيضًا.

وثائق مسرّبة: الإنترنت في مصر "تحت السيطرة"

كشفت وثائق عدة سعي الحكومة المصرية لامتلاك تقنيات تتيح لها بعدة أشكال مراقبة الاتصالات في جميع أشكالها

كشفت وثائق عدّة، نشرت بمواقع متخصصة، عن سعي الحكومة المصرية لامتلاك تقنيات تتيح لها بعدّة أشكال مراقبة الاتصالات، في جميع أشكالها، أهمها تسريبات شركة "هاكينج تيم" الإيطالية العاملة في مجال تكنولوجيا المراقبة والاختراق. تعرضت الشركة الإيطالية لاختراق نتج عنه تسريب عدد ضخم من المستندات بلغ 400 جيجا بايت، تضمّن مراسلات إلكترونية وعقود صفقات وفواتير وميزانيات مالية، من بينها مراسلات مع أجهزة أمنية مصرية.

وتتلخّص مطالب الأجهزة المصرية في الحصول على تقنيات لا تتيح المراقبة الموجهة لمستخدمين محددين فقط، إنما تتجاوزه إلى مراقبة الإنترنت نفسه، ولكن كيف؟ يقول متخصّصون، رفضوا كشف أسمائهم، إنّ "النظام المصري كان يراقب مسارات الإنترنت نفسها".

استهدفت نظم المراقبة التي يستعين بها النظام المصريّ البنية التحتية لشبكة الإنترنت بأكملها في مصر باستخدام تقنية تعرف بـ"اتصالات القشرة الآمنة Secure Shell"، التي تعرف اختصارًا بـSSH، وهو بروتوكول لتوفير قنوات اتصال آمنة عبر الشركات يوفره مقدمو الخدمة في مصر والعالم. هذا تحديدًا ما رغبت مصر في اختراقه، فلا تعود، هنا، اتصالات آمنة. كل شيء مخترق، وكله تحت السيطرة، وفق التعبير الأمني.

في البدء، عام 2014، كانت رقابة الإنترنت تعني إدخال كلمات مثل "اغتيال" أو "الإخوان" أو "داعش" أو "تفجير" أو "قنبلة" والبحث عمن استخدمها على المواقع لتتبع إمكانية أن يكون شخص ما استخدمها بغرض إجرامي، ويمتد الأمر للتجسس على الحسابات وغلقها، بينما الآن، بعد الهجوم الأخير في 2016، وتثبيت نظام التجسّس المستورد من أمريكا، ويليه، الآن، النظام الفرنسي، المُهدى من آل زايد في أبوظبي، أصبحت الرقابة على الإنترنت تعني أنّ "كل شيء تحت السيطرة.. #احنا_متراقبين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إنترنت تونس زمن بن علي.. بوليسية إلكترونية أيضًا

زهير اليحياوي.. شهيد الإنترنت التونسي