بعد بدء تلاشي الآثار المدمرة لجائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة ومناطق أخرى حول العالم، بدأت الرواتب والأجور كذلك بالتعافي في كبرى الشركات العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تحسنت أوضاع الموظفين في مختلف الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية وتزايدت أجورهم بنسب متفاوتة ملحوظة بالتزامن مع انخفاض تاريخي في معدل البطالة بين الأمريكيين
وقد أشار تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن متوسط أجور العمال في في غالبية الشركات الأمريكية الكبرى أعلى مما كانت عليه قبل انتشار وباء كورونا. وأظهر التحليل أن موظفي المصارف وعمال المصانع ومهندسي برامج الكومبيوتر وسائر الموظفين الذي يؤدون أعمالًا مكتبية وتقنية ومالية، هم من بين أكثر الفئات التي طالتها الزيادة في الأجور لعدة أسباب منها زيادة الطلب على هذه الوظائف ضمن سوق العمل في العامين الماضيين. كما أورد التحليل أن متوسط الأجور في طريقه للتزايد أكثر سواء لأصحاب المداخيل المرتفعة أم لأصحاب مداخيل الحد الأدنى.
الطلب على التوظيف والتضخم المالي
يضاف إلى ذلك، ارتفاع الطلب على العمال المياومين في شتى الصناعات والذين يتقاضون أجورهم وفق عدد ساعات العمل، وحيث قامت بعض الشركات الكبرى بدفع مكافآت لجذب عمال جدد أو الحفاظ على العمال في وظائفهم، لا سيما بعد عودة الحياة إلى طبيعتها بعد السيطرة على فيروس كورونا وإعادة فتح المجال العام كالفنادق والكاتب والمطارات وازدياد حركة الأسواق التجارية. وقد صرحت وزارة العمل في الحكومة الأمريكية أن "معدل الاجور ارتفاع إلى أكثر من 5% في الأشهر الأخيرة، بينما كان ارتفاع الأجور في السنتين قبل تفشي وباء كورونا يقدر بحوالي 3.2%"، لكن هذه الزيادة في الأجور "ترافقت مع ارتفاع معدل التضخم الاقتصادي وأسعار السلع الاستهلاكية".
موقع IMFBlog وهو موقع المدوّنة الخاصة بصندوق النقد الدولي، كان قد نشر في شهر آذار /مارس من هذا العام تقريرًا جاء فيه أن "نقص العمالة أدى إلى زيادة الأجور، واستفاد من الطلب على اليد العاملة من هم في المستويات الدنيا، لكن هذا الطلب على اليد العاملة وارتفاع الأجور أدى إلى مخاوف من تضخم مالي في الأسعار"، وأضاف التقرير إلى تضاعف الوظائف الشاغرة مقارنة بفترة الوباء في كل من كندا وأستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية". يعكس هذا الارتفاع الحاد في عدد الوظائف الشاغرة مدى قوة الانتعاش الاقتصادي والطلب المتزايد على الاستهلاك في الاقتصادات المتقدمة حتى بداية الأزمة الأوكرانية.
تحولات في ميادين العمل
ويشير التقرير إلى تحولات في مجال العمل بالنسبة للعمال. ففيروس كورونا أرخى بظلاله على المسألة، وذلك نظرًا إلى أن ثلث الموظفين هم من الفئة الأكبر سنًا، والذين يخشون عواقب صحية ونسبة كبيرة منهم انكفأت عن العمل. وأما التحول الثاني فيتجلى في كون أن هؤلاء العمال أصبحوا يختارون العمل الأكثر ملائمة لهم ويبتعدون عن العمل المجهد جسديًا، مما أدى إلى ارتفاع الاستقالات في الوظائف التي تتطلب مجهودات جسدية، ففي المملكة المتحدة ارتفعت الاستقالات في مجالات النقل والتخزين وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم.
ارتفاع معدل الأجور
في عام 2021، كان متوسط الأجور للموظفين والعمال في 275 شركة أعلى مما كانت عليه في عام 2019، بالإضافة إلى منح 150 شركة زيادة بنسبة 10% أو أكثر على الأجور من عام 2019. في المقابل، فإن عدد الشركات التي أبلغت عن انخفاض متوسط الأجور بنسبة 10% أقل من الشركات التي أبلغت عن زيادة في الأجور، وذلك وفقًا لمؤشر ستاندارد أند بورز، وهو مؤشر للأوراق المالية يتتبع أداء 500 شركة كبيرة مدرجة في بورصات الأوراق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أفادت 41 شركة بأنها دفعت رواتب لعمالها في المستوى المتوسط أقل من 30 ألف دولار في عام 2021. بينما كان عدد الشركات التي دفعت أقل من 30 ألف دولار 56 شركة عام 2019.
أدنى معدل للبطالة في الولايات المتحدة منذ نصف قرن
وتجدر الإشارة إلى أن معدل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 3.6% في شهر نيسان /أبريل من هذا العام، وهو ما يقارب أدنى مستوى له منذ نصف قرن تم الوصول إليه قبل انتشار الوباء عالميًا. كان هناك 11.5 مليون فرصة عمل متاحة في شهر آذار /مارس، أو ما يقرب من وظيفتين لكل شخص عاطل عن العمل ويبحث عن عمل، في حين أن عدد المرات التي ترك فيها العمال وظائفهم بلغ 4.5 مليون في الشهر الواحد، وأشار التحليل المذكور إلى أن الرقمين قياسين.
معايير مختلفة ومتعددة!
قامت وول ستريت جورنال بتحليل مستندات حوالي 450 شركة بواسطة استخدام بيانات من إيداعات الأوراق المالية. فمنذ عام 2018، تم الطلب من الشركات الأمريكية تحديد معدل متوسط الأجور والكشف عن التعويضات الممنوحة للعمال، بما في ذلك العمل الإضافي والمزايا كافة التي يحصل عليها العمال والموظفين الذين يشغلون مناصب في مستويات وسطى داخل هذه المؤسسات، مما أتاح الخروج بنظرة شاملة ومعرفة دقيقة بمدى ارتفاع أو انخفاض متوسط الأجور.
لكن وبالرغم من ذلك، تبين أن هناك اختلافًا في الكيفية التي يتم من خلالها تصنيف العمال في المستوى المتوسط، فبعض الشركات تصنف العمال في المستوى المتوسط وفقًا للراتب بينما تقوم شركات أخرى باتباع التصنيف وفقًا للرواتب والمكافآت والعمولات والجوائز الممنوحة سنويًا للعامل.
يضاف إلى ذلك عاملين أخرين ذات أهمية، يتجلى العامل الأول في أن الشركات المتعددة الجنسيات تدفع رواتب أقل للعمال في فروعها خارج الولايات المتحدة الأمريكية كالمكسيك على سبيل المثال لا الحصر. وأما العامل الثاني يكمن في أن العامل الثابت المستمر في العمل منذ 3 سنوات يتثاضى أكثر من العامل الجديد، وبذلك تنتج اختلافات في الأجور وطريقة احتساب متوسط الرواتب في المستويات المختلفة خصوصًا وأن معدل تقلبات الدخول والخروج إلى الوظائف مرتفع نسبيًا كما أشرنا سلفًا.
الشركات التكنولوجية والمالية في الصدارة
وأظهر التحليل أن معظم المصارف والمؤسسات المالية الكبيرة مثل وول ستريت زادت رواتب موظفيها في السنوات الثلاث الأخيرة بفضل الأرباح التي حصدتها طيلة فترة كورونا، واحتلت الصدارة شركة إنفيسكو ومقرها في ولاية أتلانتا. ويظهر ارتفاع الرواتب بوتيرة أسرع في قطاع التكنولوجيا، حيث أن 12 موظفًا في المستوى الوظيفي المتوسط تبين أنهم يعملون في مؤسسات تكنولوجية رائدة مثل منصة فيسبوك المملوكة من شركة ميتا.
وأما شركة أمازون فزادت أجورها بنسبة 4.40%، وشركة أبل للتكنولوجيا بنسبة 0.53%، وشركة ستاربكس بنسبة 2.33%، وبنك أوف أميريكا بنسبة 0.49%، واحتل الصدارة في زيادة الأجور محرك البحث العملاق غوغل المملوك من شركة ألفابيت حيث سجلت زيادة بنسبة 1.10%. وأما شركة فورتنايت فسجلت ارتفاعًا في الأجر للعامل الموظف لثلاث سنوات متتالية من 122 ألف دولار عام 2019 إلى 202 ألف دولار مع نهاية عام 2021. وأما شركة أبتيف لقطع السيارات فسجلت زيادة بحوالي 7 آلاف دولار لعام 2021.
عمال شركة هوم ديبو (HomeDepot) تلقوا متوسط أجر وقدره حوالي 29 ألف دولار عام 2021، بينما كان 23 ألف دولار عام 2019. وقد قدمت الشركة العديد من المساعدات للموظفين إبان الوباء، بما في ذلك منح 100 دولار أمريكي زيادة على جميع الرواتب ومضاعفة أجرة العمل الإضافي. كما ارتفع متوسط الأجر في شركة وول مارت بنسبة 21% في عام 2021 عن العام السابق، وتعتبر الشركة واحدة من أكبر الشركات على الإطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تضم 1.6 مليون موظف، وسجلت زيادات إلى أكثر من 565 ألف موظف لديها من أصل 1.6 مليون عامل في الولايات المتحدة.
الشركات الأمريكية الأعلى في الأجور
- شركة غيت لاب (GitLab) بمتوسط رواتب 97،000 دولار أمريكي
- شركة إنتل (Intel) بمتوسط رواتب 99,000 دولار أمريكي
- شركة زوم (Zoom) بمتوسط رواتب 100,000 دولار أمريكي
- نتفليكس (Netflix) بمتوسط رواتب 108,000 دولار أمريكي
- أمازون (Amazon) بمتوسط رواتب 102,000 دولار أمريكي
- مايكروسوفت (Microsoft) بمتوسط رواتب 121,000 دولار أمريكي
- لينكدإن (LinkedIn) بمتوسط رواتب 123,000 دولار أمريكي
- جوجل (Google) بمتوسط رواتب 120,000 دولار أمريكي
- فيسبوك (Facebook) بمتوسط رواتب 124,000 دولار أمريكي
- آبل (Apple) بمتوسط رواتب 128,000 دولار أمريكي
