06-مارس-2017

(Vox) هتلر وموسليني في روما، عام 1938

"القادة بكل أطيافهم يؤمنون بأن الكذب أداة مهمة في إدارة شؤون الدولة من الممكن، بل من الواجب، استخدامها في ظروف متنوعة. يكذب القادة على شعوبهم أحيانًا عندما يعتقدون أن لديهم أسبابًا منطقية للكذب، وهناك 31 نوعًا من الكذب يمارسه البشر في ما بينهم، وهناك أيضًا 7 أنواع أخرى من الكذب يمارسها الرؤساء، ومع ذلك فإن عموم ثقافات البشر تتعامل مع الكذب على أساس أنه فعل مكروه، ويعكس انخفاضًا في القيم". هكذا يؤكد جون ميرشيمر في كتابه المهم "لماذا يكذب القادة؟" (سلسلة عالم المعرفة 2016، ترجمة غانم النجار).

لا يتعلّق الكذب بمدى صدق حقائق معينة، بل يمكن أن يكون عن طريق ترتيب الأحداث بطريقة خادعة

ميرشيمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأمريكية، وأحد أبرز الباحثين الأمريكيين في السياسة الخارجية، وهذا الكتاب الذي يحمل عنوانه سؤالًا مهمًا وملِّحًا ومركزيًا ومثير للجدل على الدوام، يحاول على مدى صفحاته الـ 183 أن يجيب على هذا السؤال. ويذهب الكتاب إلى أن هناك أنواعًا مختلفة من الخداع في إطار الممارسة السياسية،‬ ولكن المؤلف يشير إلى أن رؤساء الدول أكثر ميلًا للكذب في إطار العلاقات مع الدول الأخرى منه في السياسات الداخلية؟ ولكن القادة لا يكذبون على دول معادية فقط، ولكنهم يكذبون على شعوبهم أيضًا، ظنًا منهم أن في ذلك مصلحة بلدهم، وأحيانًا يكونون على صواب، فمنذا الذي يقول إن القادة والدبلوماسيين لا يجب أن يكذبوا على عدو خطير، خصوصًا في زمن الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: ‬‬رحيل عبداللي.. همزة وصل مع الثقافة التركية

ربما تكون الحالة الأخيرة مثالًا للنوع الوحيد من الكذب الذي يحقق أهدافًا لمصلحة الدولة، ولكن الكذب لا يحقق أغراضه دائمًا، فمن الصعب على القادة أن يخدعوا الدول الأخرى، لأن الكذب بين الدول عادةً يوجَّه إلى الدول المعادية أو المحتمل عداؤها، وهي بالطبع حريصة وحذرة ومتشككة في أي شيء يأتي من الخصوم بشأن قضايا تتعلَّق بأمنهم، وعلى الرغم من أنه أسهل على القائد أن يكذب على شعبه لأن الشعب يثق بحكومته –غالبًا- فإن الكذب على المواطنين قد لا يحقق النتيجة المرجوة، بل وربما ينقلب إلى العكس تمامًا.

لكن هناك سؤالًا آخر يطرح نفسه، وهو: ما الكذب؟ و مَن من الممكن أن نطلق عليه لفظ كذَّاب؟ يجيب الكتاب بأن الكذب هو فعل مخطط لخداع جمهور معين، وقد يتضمن الكذب تأليف حقائق يدرك مؤلفها أنها غير حقيقة أو إنكار حقائق يعرف أنها صحيحة، غير أن الكذب لا يتعلّق فقد بمدى صدق حقائق معينة، بل يمكن أن يكون عن طريق ترتيب الأحداث بطريقة خادعة ماكرة لتحكي قصة خيالية. مع الإشارة إلى أنه من الممكن أن تؤدي كذبة واحدة أغراضًا متعددة، يحدّد الكتاب 7 أنواع من الأكاذيب بإمكان القادة أن يختلقوها في العلاقات الدولية، وهي: 

1. الكذب بين الدول

تُوجَّه الأكاذيب بين الدول مباشرة إلى الدول الأخرى، إما لتحقيق تفوق إستراتيجي وإما للحيلولة دون تحسين وضعها على حساب وضع الدولة الكاذبة. وعادة ما يوجَّه هذا النوع من الكذب إلى الدول المنافسة، بيد أن الدول تكذب أحيانًا على حلفائها، وعادة ما ينتهي الأمر بالقادة المنشغلين بالكذب على الدول بأن يخدعوا شعوبهم على الرغم من أنهم ليسوا المقصودين بالخداع.

2. إثارة الذعر

وذلك عندما يكذب قائد ما على شعبه بشأن قضية سياسة خارجية بخصوص تهديد يواجه البلد، معتقدًا أن شعبه لا يعطي ذلك التهديد حقَّه، والقصد من ذلك يكون دفع الشعب لكي يأخذ التهديد بصورة جدية وتقديم التضحيات للتصدي له. لا يلجأ القادة هنا إلى إثارة الذعر لأنهم أشرار أو لتحقيق مكاسب شخصية، لكنهم يضخّمون تهديدًا معينًا في سبيل المصلحة الوطنية، من وجه نظرهم.

يكذب القادة بخصوص تخبطاتهم أو سياساتهم الفاشلة، وهدفهم حماية أنفسهم

3. إخفاء السياسات المثيرة للجدل

تسمَّى بالتغطيات الإستراتيجية، وهي أكاذيب تهدف إلى إخفاء سياسات مثيرة للجدل عن الشعب، وأحيانًا عن دول أخرى كذلك. ولا يُطلق القادة هذه الأكاذيب لحماية عير الأكفاء الذين فشلوا في تأدية عملهم أو لإخفاء سياسات غبية، وإن كان من الممكن أن يتحقق ذلك كنتائج غير مقصودة، بل يكون الهدف هنا هو حماية الدولة من الأذى.

اقرأ/ي أيضًا: مخلوف عامر.. ألوان السرد الجزائري

4. صناعة الأساطير القومية

يمكن ملاحظتها حين يطلق القادة الأكاذيب بشكل أساسي لشعبهم حول ماضي دولتهم، فنجدهم يرددون قصة ترتكز على ثنائية يتفوق فيها الرمز القومي على ما عداه، ويكون "نحن" دائمًا على حق بينما "هم" دائمًا على خطأ. وتفعل النخبة (الإنتلجنسيا) ذلك عن طريق إنكار ما اقترفته دولتهم في الواقع، أو ادعاء قيامهم بأشياء لم يقوموا بها أصلًا، وبالطبع تطلق تلك النخبة ذاتها أكاذيب مشابهة بحق المجموعات المعادية او المنافسة لها.

5. أكاذيب التمويه

وتسمَّى بالأكاذيب الليبرالية، وهي أكاذيب الهدف منها التغطية على سلوك يتناقض مع منظومة المبادئ المتعارف عليها بشكل واسع في أنحاء العالم، والتي تمثّل العمود الفقري للقانون الدولي. فالدول بجميع أشكالها ونظمها السياسية، بما في ذلك النظم الليبرالية الديمقراطية، تتصرَّف أحيانًا بشكل وحشي تجاه الدول الأخرى، أو تشكِّل تحالفات مع دول سيئة السمعة، وعندما يحدث ذلك يختلق القادة قصة يروونها لشعوبهم أو للعالم على اتساعه بهدف محاولة التمويه على تصرفاتهم غير المتسقة مع الأعراف الليبرالية بأسلوب بلاغي مثالي.

6. كذب تنمية المصالح

يسمى بالإمبريالية الاجتماعية، وذلك حين يطلق القادة الأكاذيب عن دولة أخرى بهدف تنمية مصالحهم الاقتصادية أو السياسية أو لمصلحة طبقة اجتماعية أو مجموعة بعينها. ويستهدف هذا النوع من الأكاذيب صرف الشعب عن مشكلات أو قضايا مثيرة للجدل في الساحة المحلية، وذلك من أجل أن يزيد القادة هيمنتهم على مفاصل الدولة وقوتها.

7. التغطية على الفشل

تسمى بالتغطيات الشنيعة، وذلك عندما يكذب القادة بخصوص تخبطاتهم أو سياساتهم الفاشلة لمصالح شخصية، ويكون هدفهم الأساسي في هذه الحالة هو حماية أنفسهم أو أصدقائهم من عقاب مستحق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نادر القاسم يزرع عشبًا حول شاهدة

مكتبة سعد الله ونوس.. هجرة وجدل