30-نوفمبر-2020

بوب كوفمان (1925-1986)

ألترا صوت – فريق التحرير

"المطر القديم" هو عنوان المجموعة الشعرية الصادرة حديثًا عن "منشورات الجمل" للشاعر الأمريكي الأسود بوب كوفمان (1925-1986)، ترجمة الشاعر العراقي محمد مظلوم الذي سبق وأن ترجم مجموعة "عزلة مكتظة بالوحدة" الصادرة عن الدار نفسها العام الفائت، وهي الترجمة العربية الرابعة لكوفمان بعد "الحياة ساكسوفون في فم الموت"، صدرت عن "منشورات المتوسط" قبل أيام قليلة بترجمة سامر أبو هواش، بالإضافة إلى إصدار "دار الرافدين" ترجمة أخرى لـ"المطر القديم" بتوقيع الشاعر المغربي الحبيب الواعي.

التهميش الذي طال الشاعر بوب كوفمان يعود إلى أسباب عنصرية بحتة كونه أمريكيًا أسودَ

قبل هذه المجموعات الثلاث، لم يكن بوب كوفمان معروفًا عند القراء العرب، ونادرًا ما ذُكر اسمه عند الحديث عن حركة "جيل البيِت" الذي يُعتبر أحد أهم مؤسسيها، بل وركنًا بارزًا من أركانها أيضًا، ويمكن القول إن غيابه عربيًا قابله غياب آخر داخل المشهد الشعري الأمريكي الذي لم ينتبه إليه إلا بعد وفاته، حيث أمضى الجزء الأكبر من حياته منبوذًا ومُغيّبًا عن الكتابات النقدية والدراسات الأكاديمية التي أهملته في الوقت الذي انشغلت فيه ببقية أعضاء "جيل البيِت" رغم أنه، وفقًا لمحمد مظلوم، المبتكر الأصلي لكلمة "بيِت"، وليس جاك كيرواك كما سبق وأن أشيع في كتابات مختلفة أرّخت لهذا الجيل الذي رأى ستيف أبوت أن كوفمان أستاذه الخفي.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "روح أبي تصعد في المطر".. صورة بانورامية لحياة الأرجنتين

ارتبط غياب الشاعر الأمريكي المنعزل والمشرّد بتأويلاتٍ مختلفة، أفرزت نوعًا من الالتباس الحاصل بين أن يكون مغيّبًا عن المشهد الذي كان أحد مؤسسيه، أو غاب عنه بإرادته بفعل رغبته المستمرة في أن يكون مغمورًا ومجهولًا كما سبق وأن ذكر ريموند فاي في تقديمه لمجموعة "المطر القديم"، حيث سرد تفاصيل بحثه عن كوفمان نحو عامين بهدف لقائه، قبل أن يظهر له صدفة في أحد مقاهي مدينة سان فرانسيسكو، ويؤكد له كل ما أشيع عنه بكلماتٍ قليلة: "أريد أن أبقى مجهولًا"، و"لا أعرف كيف تريد أن تتورط مع شخص لا يريد الانخراط في صحبة، ولكنني لا أريد تلك الصحبة، طموحي أن أُنسى تمامًا.

ولك هذه الرغبة المستمرة بالبقاء بعيدًا ومغمورًا، لا تنفي أن بوب كوفمان كان منبوذًا لأسباب اعتُبرت عنصرية بحتة لكونه أمريكي أسود، وقد ساهمت التوصيفات النقدية المتعددة التي سعت إلى تصنيف شعره في هذا النبذ أو الإبعاد نظرًا لأنها تعاملت معه خارج دائرة "جيل البيِت"، وصنفته أيضًا على أنه "شاعر جاز" انطلاقًا من كون هذا التوصيف مرتبط بالشعراء السود عادةً، وأن موسيقى الجاز تعود إلى الزنوج بالدرجة الأولى، وهو ما بدا تهميشًا شبه متعمد لأهميته ومكانته في تاريخ هذه الحركة وجيلها.

التهميش الذي بدا متعمدًا بحق كوفمان، بالإضافة إلى رغبته في البقاء مجهولًا وبعيدًا عن الأضواء، دفعاه إلى إهمال مسألة النشر، أو على الأقل تدوين قصائده وجمعها، وهنا يبرز الدور الكبير الذي لعبته زوجته إيلين سينغ التي توصف بأنها المنقذ الحقيقي لشعر كوفمان، حيث حملت على عاتقها مهمة تدوين قصائد زوجها والاحتفاظ بها، خصوصًا وأن الأخير فقد عددًا هائلًا من قصائده بفعل التشرد الذي وسم حياته، كما يعود لها الفضل أيضًا في إعدادها لمجموعته الشعرية الأولى "عزلة مكتظة بالوحدة" وإرسالها إلى الناشر لتغيّر بذلك مصير كتابات كوفمان، وتضعها ضمن مسارٍ مختلف أنقذها من الضياع والتلف، وصان إرث هذا الشاعر المتفرد.

تخبر قصائد بوب كوفمان العالم أن هناك أشياء أخرى يجب أن يذعر الإنسان منها غير القنبلة النووية

اقرأ/ي أيضًا: 12 رواية قصيرة لثربانتس

المطر القديم، مجموعته الشعرية الأخيرة، كادت أن تواجه أيضًا مصير قصائده المفقودة، ولكنها اهتدت في نهاية المطاف إلى عالم النشر، وفرضت نفسها باعتبارها آخر ما كتبه "عدّاء مسافات طويلة مندفع يرتجل ترانيم استدعاء شامل، وحيدًا في عالم من القوارض القطبية"، وهو الوصف الذي أطلقه عليه لورنس فرلنغيتي، وبدا دقيقًا لكوفمان الذي كتب في مجموعته هذه قصائد تخبر العالم أن هناك أشياء أخرى يجب أن يذعر الإنسان منها غير القنبلة النووية ومنها قطرات مطر تعيد خلق العالم، وتكون كفيلة بإعادة كتابة تاريخ أمريكا وحضارات الأمم الأخرى بعد أن تمحو كل الأوهام المتراكمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"موكب الظلال".. أصداء الحرب الأهلية الإسبانية

كتاب "ثلاث مُدن مُقدّسة".. كيف شوّه الشياطين الجُدد حضارة الأمم الأولى؟