26-أبريل-2023
Getty

تظهر الوثائق قلقًا أمريكيًا من توسع نفوذ فاغنر الكبير في أفريقيا (Getty)

أظهرت وثائق جديدة من تسريبات البنتاغون، قيام مجموعة فاغنر الروسية بحملة تضليل واسعة في أفريقيا استهدفت الولايات المتحدة، مستغلين ضعف نفوذها في السنوات  الماضية، مقابل تقوية النفوذ الروسي. 

أظهرت وثائق جديدة من تسريبات البنتاغون، قيام مجموعة فاغنر الروسية بحملة تضليل واسعة في أفريقيا

وبحسب وثائق استخبارية أمريكية نشرتها صحيفة الواشنطن بوست، فقد عملت مجموعة روسية على تأسيس كونفدرالية في القارة الأفريقية تضم بلدانًا يعادي فيها الرأي العام عمومًا الدول الغربية. وتشير الوثائق إلى أن فاغنر على مدى 6 أعوام، على تثبيت وجودها الاستراتيجي في 8 دول أفريقية على الأقل من بين 13 دولة نشطت فيها.

وتتحرك المجموعة الروسية بقوة، حيث يعمل المرتزقة الروس على إثارة عدم الاستقرار في عدد من الدول الأفريقية باستخدام قدراتهم العسكرية، والمعلومات المضللة لدعم حلفاء موسكو، وفقًا لما تكشفه الوثائق المسربة.

أصوات من تحت الركام

محاولة غربية لمواجهة توسع فاغنر

وتوضح الصحيفة الأمريكية اعتمادًا على الوثائق المسرّبة، أن توسع النفوذ الروسي بهذه السرعة في أفريقيا شكل مصدرًا للقلق للاستخبارات الأمريكية وقيادة البنتاغون، ما دفعهم للبحث عن طرق لضرب قواعد فاغنر العسكرية وواجهاتها الاقتصادية، عبر الضربات العسكرية والعقوبات الاقتصادية.

وبحسب أجهزة الأمن  الأمريكية، فإن تورط فاغنر في الحرب بأوكرانيا، وانشغال مالكها يفغيني بريغوجين بصراع القوى الدائر داخل الكرملين، شكل نقطة ضعف في توسع فاغنر على الصعيد الدولي. 

وتكشف إحدى الوثائق المسربة عن 12 خيارًا عمليًا يمكن اعتمادهم كجزء من "جهود الولايات المتحدة وحلفائها المنسقة الرامية للحد من صعود فاغنر".

كما تضم الوثائق مقترحات بتوفير معلومات من شأنها مساعدة القوات الأوكرانية على استهداف وقتل قادة فاغنر، كما تشير الوثائق لاستعداد دول أخرى حليفة للولايات المتحدة القيام بإجراءات مماثلة ضد فاغنر في أفريقيا.

وعلى الرغم من تلك الجهود، تقول "الواشنطن بوست" إن الوثائق المسربة لا تتضمن ما يشير إلى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية أو البنتاغون أو استخبارات الدول الحليفة لواشنطن قد ألحقت أضرارًا تُذكر بالمجموعة الروسية، عدا معلومة وحيدة عن ضربة عسكرية مباشرة ناجحة استهدفت طائرة لوجستية تابعة لـ "فاغنر" أدت لتدميرها. ولكن، الوثائق لم تذكر تفاصيل أخرى عن الضربة، أو سبب استهداف تلك الطائرة.

وتكشف الصحيفة الأمريكية أن أهم استهداف أمريكي لمجموعة فاغنر كان في سوريا، قرب مدينة دير الزور في شباط/فبراير 2018، عندما شنت الطائرات الأمريكية غارات جوية أسفرت عن مقتل المئات من مقاتلي المجموعة الروسية الذين كانوا يتمركزون في تلك المنطقة، ويشنون هجمات على القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) حليفة واشنطن.

Getty

فاغنر مفتاح الحل للدكتاتورية

وبشكلٍ عام، تصور الوثائق فاغنر، بوصفها قوةً غير مقيدة نسبيًا في أفريقيا، مما يوسع وجودها وطموحاتها في القارة حتى مع تحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب طاحنة، تستهلك قدرات الكرملين بالكامل. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يزيد بريغوجين من ترسيخ شبكته في بلدان أفريقية متعددة بحسب "الواشنطن بوست".

ويتحدث أنس القماطي، مدير معهد "صادق" للأبحاث ومقره في طرابلس، عن أن "صعود فاغنر ينذر بموجة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى في أفريقيا، مع عودة الاستبداد"، مضيفًا: "فاغنر هو حل لنوع الأزمات للأنظمة الدكتاتورية في أفريقيا". وفي هذا السياق، تتعدد خدمات فاغنر، ما بين التلاعب في الانتخابات، وصولًا إلى المواجهة العسكرية كما حدث في جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب ليبيا.

ولا تقتصر خدمات فاغنر على ذلك، بل هم يعرضون خدمات أخرى، مثل إخراج الأموال والمعادن الثمينة من أفريقيا، ونقلها إلى شبكة مصارف، تديرها فاغنر، عبر طريقة معقدة من خلال شركاتها التجارية الوهمية أو شركات الواجهة.

ووفق تقييمات الوثائق المسربة، "لم تسرع فاغنر من عملياتها في أفريقيا خلال العام الماضي فحسب، ولكن يبدو أنها تعمل بطموح ووفق سلطة موسعة، وتحول نهجها من الاستفادة من الفراغات الأمنية إلى تسهيل عدم الاستقرار في تلك البلدان عن قصد".

وبحسب الصحيفة الأمريكية، يظهر هذا الوصف على شريحة عليها رموز تشير إلى أنه تم إعدادها للجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة وكبار مستشاريه. وتتضمن تلخيصات في حاشية الوثيقة تحت عنوان "أجندة بريغوجين العدوانية"، مستشهدة بخططه لمواجهة النفوذ الأمريكي والفرنسي في بوركينا فاسو وإريتريا وغينيا ومالي ودول أخرى، بالإضافة إلى دعم فاغنر المباشر لمحاولة الانقلاب في تشاد من خلال إعداد وتدريب المتمردين التشاديين قرب الحدود. 

ولطالما كانت تشاد ركيزة أساسية في عمليات ما يعرف أمريكيًا باسم "مكافحة الإرهاب" ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل، التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا. وقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أهميتها عندما حضر جنازة الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي في عام 2021، حيث تشير إحدى الوثائق المسربة إلى أن فرنسا "أعربت عن استعدادها لضرب فاغنر إذا دعمت انقلابًا في تشاد".

ورفض بريغوجين في وقتٍ سابق الرد على أسئلة "الواشنطن بوست"، بخصوص ما ورد في الوثائق، لكنه وصف المعلومات الواردة عن دور فاغنر لزعزعة استقرار الحكومة الانتقالية في تشاد بأنه "هراء".

Getty

معلومات مزيفة

ويزعم بريغوجين في تعليقات على حساب المكتب الإعلامي للمجموعة على تليغرام، بأن عملياته في أفريقيا "صادقة وعادلة"، ومصممة من أجل "الدفاع عن الشعوب الأفريقية، بما في ذلك الشعوب المضطهدة من قبل قطاع الطرق والإرهابيين والجيران غير الموثوق بهم"، وفق تعبيره.

لكن القماطي يرد على هذه الادعاءات، بالقول: إن "تدخل فاغنر في ليبيا ساعد في انقسام البلاد وشلها". وتصف الصحيفة الأمريكية، عرضه للعب دور "وسيط سلام" بين الأطراف المتحاربة في السودان: "كأنه تأكيد لإحساسه المتزايد بأهميته الشخصية". 

وجاء العرض في بيان نشره مكتبه الصحفي على منصة تليغرام، الجمعة الماضية، وادعى أنه مستعد لإرسال طائرات مزودة بالإمدادات الطبية و"كل ما يحتاجه الأشخاص الذين يعانون الآن". وتقول واشنطن بوست حول العرض السابق: "إن عرضه تقديم ’تدخل إنساني’ في هذا الصراع الذي شارك في تأجيجه من خلال تزويد أحد طرفي النزاع بالأسلحة وتدريبها سابقًا، سيكون متسقًا مع الأدلة الموصوفة في مجموعة الوثائق المسربة عن الدور الذي تلعبه فاغنر في الصراع بأفريقيا".

نكوص غربي

بعد الحرب الباردة، عندما أشعل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حروبًا بالوكالة في أفريقيا، انسحبت روسيا من القارة، تاركةً المجال للصين، التي عملت على إعادة تهيئة البنية التحتية في الدول الأفريقية بالإضافة لتقديم قروض بفوائد منخفضة وغير مشروطة بالتقدم في مجال حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو عمل المؤسسات، عكس شروط الدول الغربية لتقديم المساعدة. ومؤخرًا، ومع عودة روسيا إلى أفريقيا، جرى "إحياء منافسة صاخبة على النفوذ العسكري والسياسي يذكر بالتنافس الاستعماري على الموارد الأفريقية"، كما تقول الصحيفة الأمريكية. 

تذهب موريثي موتيجا، مديرة البرامج الأفريقية في مجموعة الأزمات الدولية، إلى القول: إنه "من المؤكد أن هناك تصورًا في القارة بعد نهاية الحرب الباردة، حيث أصبحت الولايات المتحدة أقل اهتمامًا بالقارة، واعتبرتها فقط مكانًا يمكن أن تشارك فيه في النشاط الإنساني، وربما تمارس بعض الضغط من أجل التحول إلى الديمقراطية، ولكن ليس الانخراط بطريقة هادفة، وهو ما فتح فجوة للآخرين".

ووفقًا لإحدى الوثائق المسربة، تعمل فاغنر على استخراج الذهب واليورانيوم وموارد أخرى في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان. بالإضافة لذلك، فإن القارة هي سوق للأسلحة الروسية وتكنولوجيا الطاقة النووية والعقود الأمنية، واستفادت روسيا من نفوذها مع القادة العسكريين السودانيين للاتفاق على استكمال قاعدة بحرية في بورتسودان بحلول نهاية عام 2023.

مع تكثيف موسكو لجهودها الدبلوماسية لمواجهة الانتقادات الموجهة لحربها ضد أوكرانيا، زار وزير الخارجية سيرجي لافروف عدة دول أفريقية هذا العام، بما في ذلك مالي والسودان وجنوب أفريقيا وأنغولا وإريتريا ومملكة إسواتيني، كل ذلك قبل قمة بوتين مع القادة الأفارقة المرتقبة بسان بطرسبرج في تموز/ يوليو القادم.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية مجموعة فاغنر كمنظمة إجرامية عابرة للحدود، مع نمط من "السلوك الإجرامي الخطير الذي يشمل المضايقات العنيفة للصحفيين وعمال الإغاثة وأفراد الأقليات ومضايقة وعرقلة وترهيب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، فضلاً عن عمليات اغتصاب وقتل في مالي".

وألمح مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى جهود الولايات المتحدة السرية لمكافحة عمليات فاغنر خلال تصريحات بجامعة جورج تاون في شباط/فبراير الماضي، واصفًا المجموعة بأنها "منظمة روسية مخيفة بشكل خاص". 

وأضاف: "فاغنر توسع نفوذها في مالي وبوركينا فاسو وأماكن أخرى، وهذا تطور غير صحي للغاية، ونحن نعمل بجد لمواجهته لأن هذا يهدد الأفارقة في جميع أنحاء القارة".

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، ساعدت فاغنر الحكومة على طرد المتمردين الذين كانوا يهددون العاصمة في عام 2020، ووفرت الأمن للرئيس فوستين أرشانج تواديرا، الذي يعمل مستشاره الأمني ​​الروسي فيتالي بيرفيلوف، موظفًا في فاغنر، وفقًا لوزارة الخارجية.

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في شباط/فبراير الماضي، أن مسؤولين أمريكيين عرضوا على تواديرا صفقة على هامش القمة الأمريكية الأفريقية التي عقدت في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي بواشنطن، للانفصال عن "فاغنر"، مقابل تدريب عسكري أمريكي، وزيادة المساعدات الإنسانية.

رداً على ذلك، اقترح بيرفيلوف حملة تضليل معادية للولايات المتحدة في وسائل الإعلام في جمهورية أفريقيا الوسطى ووسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا للوثائق. مدعيًا، أن واشنطن قدمت رشوة لوزراء الحكومة وحاولت نهب الموارد المعدنية لجمهورية أفريقيا الوسطى.

ونقلت "الواشنطن بوست" عن محللين قولهم إن "روسيا استفادت من العلاقات السوفيتية السابقة مع القادة الأفارقة، لكنها استغلت أيضًا انخراط الولايات المتحدة المتضائل في أفريقيا، لا سيما أثناء رئاسة ترامب، فضلًا عن رد الفعل العنيف المناهض لفرنسا على عمليتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل".

Getty

وسحبت فرنسا قواتها من مالي في عام 2021، عندما تحركت "فاغنر"، وسحبت في كانون الأول/ ديسمبر آخر قواتها من جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يقول بعض المحللين إن "فاغنر" منخرطة في الاستيلاء على الدولة، وفي شباط/فبراير أمرت بوركينا فاسو القوات الفرنسية بالمغادرة.

ويعلق أليكس فاينز، رئيس برنامج أفريقيا في مركز أبحاث "Chatham House" ومقره لندن، بأن "روسيا نجحت في تسميم وجهات النظر حول فرنسا في أفريقيا، خاصة أن الساحل منطقة مقلقة للغاية ومتدهورة، وهي النقطة الساخنة العالمية للجهاد الإسلامي المتشدد على مستوى العالم في الوقت الحالي، وليس الشرق الأوسط. ومن الواضح أن روسيا قد رأت ذلك فرصة". 

ويضيف: "الدعاية الروسية المعادية للفرنسيين والغرب تلقى صدى لدى القادة الأفارقة الغاضبة من التصرفات الفرنسية في منطقة الساحل، والمتعبة من ضغط القادة الغربيين عليهم بشأن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان".

ويتابع، قائلًا: "ربما تكون الولايات المتحدة قد تعرضت لضربة لسمعتها فيما يتعلق بصحة ديمقراطيتها في السنوات الأخيرة، ولكن ليس فقط بسبب ترامب، ولكن بسبب الجمود في الكونغرس والسياسات الفوضوية وبالطبع رفض ترامب لنتائج الانتخابات". ويضيف "بالنسبة للنخب في أفريقيا، يُنظر للولايات المتحدة على أنها ما زالت تركز على قواعد اللعبة القديمة للمحاضرات حول التحول الديمقراطي وإرسال المساعدات الإنسانية، بينما فقدت المؤسسات الديمقراطية في واشنطن بعض بريقها".

ألمح مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى جهود الولايات المتحدة السرية لمكافحة عمليات فاغنر خلال تصريحات بجامعة جورج تاون في شباط/فبراير الماضي، واصفًا المجموعة بأنها "منظمة روسية مخيفة بشكل خاص"

في غضون ذلك، تقول تقديرات أخرى، إن الاستثمار الأمريكي في أفريقيا ينخفض مقارنةً ببرنامج الصين الهائل للبنية التحتية والقروض، بينما يُنظر إلى روسيا على أنها تقدم المزيد من الخيارات للقادة الأفارقة الذين لا يريدون الاصطفاف بين واشنطن وبكين وموسكو.