24-مارس-2017

ممثلي فيلم Tanna بزيهم الرسمي بصحبة مخرج الفيلم مارتن بتلر بحفل الأوسكار (فيسبوك)

كثيرة الأعمال السينمائية التي خلدت قصصًا عن الحب انتهت بموت أبطالها، وعند الحديث عن أمثال هذه الأفلام، دائمًا تفتتح بداياتها بقصة روميو وجولييت، المقتبسة عن رائعة الإنكليزي ويليام شكسبير، نحو 5 أعمال سينمائية، ومسلسل تلفزيوني واحد على الأقل، أعاد تقديم القصة الأشهر على مر التاريخ بطرق مختلفة.

في عملهما السينمائي الأول، نصًا وإخراجًا وإنتاج مشترك بينهما، يقدم الأستراليان، مارتن بتلر، وبنتلي دين، قصًة مماثلة لحكاية روميو وجولييت، حدثت عام 1987 مع عاشقين من قبيلة "ياكيل"، إحدى القبائل المستقرة في جزيرة "تانا" في أرخبيل جنوب المحيط الهادئ في دولة "فانواتو"، وتبعد نحو 2300 ميل عن الساحل الشرقي لأستراليا.

في عملهما السينمائي الأول، يقدم الأستراليان، مارتن بتلر، وبنتلي دين، قصًة مماثلة لحكاية روميو وجولييت، حدثت في جزيرة "تانا"

في المشهد الأول للفيلم يظهر أحد أفراد القبيلة يكنس أوراق الشجر اليابسة على الأرض مرددًا كلمات أغنية باللغة الأصلية للقبيلة "Nauvhal"، وهي من ضمن أكثر من مائة لغة مستخدمة في دولة "فانواتو"، يقول فيها: "منذ فجر التاريخ، زعماء القبائل هم من خططوا لحفلات الزفاف، أبناء حضارة كاستوم، لكن ثمة عاشقين اختارا نهج طريق مختلف".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "عرق الشتاء".. هنا المغرب

بهذه الأغنية المفتاحية لمسرى قصة "تانا"، يبدأ الشريط الذي اعتمد في شخصياته التمثيلية على سكان قبيلة "ياكيل" الأصليين ليكونوا أبطال العمل، علينا أن نعرف أن الممثلين الذي جسدوا الأدوار الرئيسية في العمل لم يشاهدوا فيلمًا خلال حياتهم، ولا يوجد لديهم كهرباء أو أي من وسائل العيش الحديثة، ويعتمدون على الصيد بالأقواس والسهام، والزراعة لتأمين قوت يومهم.

اختيار المخرجان لسكان القبيلة الأصليين كأبطال للشريط جعله أكثر تميزًا، إذ أننا أمام أشخاص لم يقفوا يومًا أمام الكاميرا، وأول فيلم قاموا بمشاهدته عندما عرض لهم المخرجان أفلامًا عبر كومبيوترهم الخاص، وفي المقابل قدم أفراد القبيلة أداءً مذهلًا من خلال تعابير وجوههم، نظرات الصمت المتبادلة بين واوا وداين، الأداء التمثيلي والمناظر الطبيعية جعلت الشريط، وطاقم عمله ينافسون على جائزة الأوسكار في نسختها الأخيرة عن أفضل فيلم أجنبي، وهو أول شريط أسترالي يرشح للمسابقة بلغة أجنبية.

ممكن أن يرى البعض في الشريط قصة كلاسيكية لانتصار الحب الذي ينمو بين واوا (ماري واوا)، وحفيد زعيم القبيلة داين (مانغوو داين)، وتحفظ سرهما شقيقة واوا الصغيرة، سيلين  (مارسيلين روفيت)، فتاة الشقية توجدت لإخبار المتفرج من خلال نظراتها بحياة القبيلة، حتى في خلقها للأذى، واللهو مع الأطفال، كانت خفيفة بحركتها، وظهورها ساعد على معرفة بعض العادات التقليدية للقبيلة التي تريد الحفاظ على تراث أجدادها، هذه الصغيرة بحركاتها العفوية قدمت أداءً استثنائيًا.

من بين العادات التقليدية التي لم تتخلَ عنها قبيلة "ياكيل"، ذهاب النسوة إلى النهر لصناعة تنورة من ورق الأشجار لواوا لإنهاء طقوس تحول الفتاة الصغيرة لامرأة، حتى يتم زواجها من أحد أفراد القبائل الثانية، لدينا في هذه المشاهد زخم إثنوغرافي أنيق جدًا، بالإضافة لجمالية المكان، وشلالات المياه المحاطة بالأشجار العالية، التي تضاف للمشاهد الملتقطة لبركان "ياهول"، الشاهد على انتحار واوا وداين في نهاية الشريط، وهو يعتبر بالنسبة للقبيلة "الأم الروح" حيثُ يتعلمون منها الحكمة، الاحترام، والمعرفة.         

خلال فترات ماضية نشب صراع بين قبيلة واوا، وإحدى القبائل المتواجدة في المنطقة بسبب المحاصيل الزراعية، حين تذهب سيلين مع جدها لبركان "ياهول" حتى يعلمها الاحترام يتعرض للضرب على يد مجموعة من أفراد القبيلة الثانية، يقرر على إثر الحادثة أثناء اجتماع للقبائل عقد سلام بين القبيلتين، يتم خلاله تبادل الإناث فيما بينهم للزواج، وتكون واوا المرأة المرسلة للقبيلة الأخرى، لكنها ترفض ذلك، وتقرر الهرب مع داين.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "سيلفيا" وكيف يحول الزواج القصيدة إلى فطيرة

رحلة الهروب غنية بصريًا بالمشاهد الطبيعية لهذه المنطقة غير المعروفة، لدينا السهل الرمادي لبركان "ياهول" مع حممه البرتقالية المتطايرة، الغابات الاستوائية، مشهد قصير لعادات إحدى القبائل المتواجدة على الطرف الآخر من الشاطئ المعتنقة للديانة المسيحية، التسلق إلى أعلى الشجرة لإحضار العسل من داخل خلية النحل، الكهف الذي يختبأ به واوا وداين، قبل أن يكتشف والدها وجدها وجودهما داخله، سيلين هي من تقودهما إلى مكان اختباء العاشقين، جميعها حولت الشريط للوحة فنية مليئة بالمناظر الأنيقة.

فيلم "تانا" بدأت ملامحه عندما وصل مخرجه "دين" قبل نحو 10 سنوات إلى "تانا" بهدف إعداد شريط وثائقي حول قبائلها

رغم محاولة الجد إقناع واوا بالزواج من القبيلة الثانية، وعرضه عليها صورة للأمير فيليب، والملكة إليزابيث من إحدى المجلات القديمة لديه، وإخبارها أن زواجهما كان مخططًا له، وأن زواجها سينهي النزاع بين القبيلتين، ويحافظ على ما تبقى من أفراد القبيلة، ترفض واوا الفكرة، تهرب ليلًا مع داين، إلى أن يجدونهما منتحران أمام بركان "ياهول" بالفطر السام.

انتحار واوا وداين لرفضهما عادة الزواج المتبادل بين القبائل، جعل قبائل جزيرة "تانا" يعترفون بالزواج عن طريق الحب كجزء من حضارتهم بشكل رسمي عام 1987، يقول جيمي ناكو، وهو أحد أفراد القبيلة المشاركين في الشريط: "رسالتنا إلى العالم وإلى كل الذين سيشاهدون فيلم تانا، هو أننا موجودون في جزيرة صغيرة جدًا في المحيط الهادئ، نحن هنا فما الذي يمكنكم تعلمه منا؟".

وللتعرف على الحياة داخل القبيلة، وعاداتهم المتوارثة عبر أسلافهم، انتقل أحد مخرجي العمل، بنتلي دين، مع زوجته وطفليه عام 2014 للعيش مدة 7 أشهر مع القبيلة، إلا أن العمل بدأت ملامحه عندما وصل دين قبل نحو 10 سنوات إلى "تانا" بهدف إعداد شريط وثائقي حول قبائلها، وحين طرح عليهم فكرة إنجاز شريط سينمائي، بدأ التعاون بينهما، وأخبرته القبيلة بقصة واوا وداين، ليتم تحويلها إلى عمل سينمائي من تمثيلهم.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Frantz" انطباعات مابعد الحرب
فيلم "Beauty and the Beast".. هل يستحق المشاهدة؟