24-مايو-2024
أفلام عن المجاعة

لقطة من فيلم مستر جونز

تحدث المجاعة أحيانًا لأسباب طبيعية، لكنها قد تكون في أحيان أخرى من صنع الإنسان، أو يكون مساهمًا في وقوعها بشكل أو بآخر. وبغض النظر عن كيفية وقوعها، تبقى المجاعات واحدة من أشد التجارب الإنسانية سوءًا إلى جانب الحروب، حيث تسبب كلاهما في وفاة ملايين الأشخاص.

والأشد سوءًا من الموت جوعًا هو محاولات من يفتك بهم الجوع إلى البقاء على قيد الحياة بأي طريقة حتى وإن من خلال أكل لحوم البشر. وتُشير بعض الوثائق الرسمية والروايات الشفوية المتداولة في الدول التي ضربتها المجاعة إلى لجوء الجوعى لأكل لحوم أفراد عوائلهم أو غيرهم للبقاء على قيد الحياة.

في هذه المقالة وقفة مع 3 أفلام عن المجاعة؛ فيلم وثائقي عن المجاعة الكبرى في الصين، بالإضافة إلى فيلمين روائيين عن أكبر مجاعتين عرفتهما أوروبا في العصر الحديث. وتشترك هذه المجاعات الـ3 في كونها إما من صنع الإنسان، أو أنه ساهم في وقوعها بشكل كبير.


1- مستر جونز

يعود فيلم "مستر جونز" إلى ثلاثينيات القرن الفائت، حيث تعيش معظم الدول الأوروبية حالة من الكساد وأزمات اقتصادية خانقة تزامنت مع وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا، وتزايد شعور الحكومات الغربية بالتهديد الذي يمثّله هذا الرجل وضرورة التصدي له، ولكن دون وجود نية حقيقية بسبب عدم رغبتها في خوض حرب جديدة في ظل الوضع الاقتصادي المأساوي الراهن.

في هذا الوقت، يشعر صحفي ويلزي مستقل يُدعى غاريث جونز، ويعمل مستشارًا لدى رئيس الحكومة البريطانية لويد جورج، بأن هناك شيئًا غريبًا يحدث في موسكو التي تتحدث عن ثورة صناعية وتُسرف في الإنفاق على مشاريع كُبرى في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا الكساد، وتؤكد الأرقام أن الكرملين لا يملك ما يكفي من المال للإنفاق على مشاريعه، بل إنه شبه مفلس.

الصحفي الطموح الذي حذّر جورج من خطر هتلر وقُوبِل تحذيره بسخرية الأخير ومستشاريه، يقرّر السفر إلى موسكو للتأكد بنفسه مما يحدث هناك، ولا يغيّر فصله من العمل لدى جورج بسبب الأزمة المالية قراره، فيسافر إلى العاصمة السوفييتية على نفقته، ويصطدم هناك بالواقع البائس للصحافة، حيث يكتشف بأن السلطات السوفييتية تفرض رقابة شديدة وصارمة على الصحفيين، وخاصةً الأجانب منهم الذين تفرض عليهم الكتابة عما تريده فقط.

تزداد صدمة جونز حين يعلم بمقتل صحفي ألماني تجمعه به علاقة صداقة، وتواصل معه قبل سفره إلى موسكو، خاصةً حين يلمّح له البعض بأنه قُتل على يد أجهزة الأمن السوفييتية. ثم يكتشف بأن الصحفيين الأجانب ممنوعين من مغادرة من موسكو.

يعرف جونز أن ستالين يحصل على الأموال من قمح أوكرانيا. ولأن السفر إلى أوكرانيا ممنوع، يشعر بأن هناك ما يخفيه الكرملين عن العالم، فيقرر السفر إلى هناك بطريقة تعرّض حياته للخطر، ليكتشف هناك واحدة من أسوأ المجاعات في تاريخ البشرية، حيث كان ستالين يصادر القمح لبيعه ويترك الأوكرانيين للموت جوعًا.

يصوِّر الفيلم قُرى كاملة دون سكان، وجثثًا في الشوارع لأناس ماتوا جوعًا، وعربات تحمل جثثًا أخرى لدفنها. لكن أكثر المشاهد الصادمة هو اكتشاف جونز بأن اللحم الذي يتناوله مع مجموعة أطفال مصدره شقيقهم الكبير الذي يرقد في باحة البيت ميتًا.

أُنتج الفيلم عام 2019، وهو من إخراج البولندية آقنييسكا هولاند، وبطولة جيمس نورتون، وبيتر سارسجارد، وفانيسا كيربى، وجوزيف ماويل، وغيرهم.



1- Black 47

في القرن التاسع عشر، وتحديدًا بين 1845 – 1849، ضربت أيرلندا مجاعة كبيرة عُرفت بـ"مجاعة البطاطا" لكونها حدثت نتيجة تلف محصول البطاطا الذي يُعد الغذاء الرئيسي للأيرلنديين بآفة فطرية لـ3 سنوات على التوالي، لتشتد المجاعة وتبلغ ذروتها سنة 1847، الذي يُعرف بـ"العام الأسود".

أدت المجاعة إلى وفاة أكثر من مليون أيرلندي، ودفعت بما يقرب من مليون شخص آخر إلى الهجر نحو الولايات المتحدة، وأشعلت خلافًا دام طويلًا بين الأيرلنديين والحكومة البريطانية المستعمِرة لكونها تركتهم للموت دون أي مساعدة.

يصوّر فيلم "Black 47" معاناة الأيرلنديين مع المجاعة، والواقع البائس الذي فرضته عليهم دون وجود أي خيارات تساعدهم على تجاوز تداعياتها القاتلة. لكنه يركّز أكثر على دور الإقطاعيين وملّاك الأراضي في تلك المجاعة ويُبيِّن كيف أنها لم تكن مجرد مأساة من صنع الطبيعة، وإنما نتيجة حتمية لسياسات إقطاعية معيّنة وإهمال متعمد من قِبل الحكومة البريطانية.

يروي الفيلم قصة رجل أيرلندي كان يُقاتل في صفوف الجيش البريطاني قبل أن يقرر الفرار والعودة إلى بلاده، حيث سيكتشف ما حل بها وما وصلت إليه أحوال عائلته، فقرّر حينها الانتقام من الملّاك والوسطاء وغيرهم ممن ساهموا في هذه المجاعة ويبدأ، في المقابل، شرطي بريطاني في تتبعه بهدف القبض عليه.

وتُظهر الحكاية تعالي البريطانيين على الأيرلنديين، ونظرتهم الدونية تجاههم، واستخفافهم بثقافتهم، ورغبتهم في أن يتحوّلوا إلى نموذج جديد من الهنود الحمر لناحية اختفائهم وتقلّص وجودهم ثم الخلاص منهم إلى الأبد.

أُنتج الفيلم عام 2018، من إخراج لانس دالي، وبطولة جيمس فريشفيل، وستيفن ريا، وباري كيوغان.



1- مجاعة ماو الكبرى

أراد ماو تسي تونغ، بعد وصوله إلى السلطة في الصين، إحداث ثورة تُخرج البلاد من حالة التخلّف المستمرة منذ العصور الوسطى، فأطلق برنامجًا للتصنيع في المدن والبلدات عُرف باسم الثورة الصناعية التي راهن عليها لجعل الصين جنة اشتراكية في مدة زمنية قصيرة. ولكن ما حدث كان العكس تمامًا، حيث تحوّل الحلم المجنون إلى كابوس دفع بـ650 مليون صيني إلى الجحيم.

يسلط الفيلم الوثائقي "مجاعة ماو الكبرى" الضوء على تداعيات السياسات الاقتصادية التي أقرّها ماو، ويستعرض الفوضى العارمة التي دخلت فيها البلاد بسبب هذه السياسات غير الواقعية التي أدت في النهاية إلى مجاعة غير مسبوقة راح ضحيتها أكثر من 45 مليون شخص.

تُعرف هذه المجاعة باسم "مجاعة الصين الكبرى"، وتُعتبر حدثًا فارقًا في الصين خلال القرن العشرين، لكنها لم تترك أي تأثيرات تُذكر على بنية النظام، بيد أنها تركت تأثيرًا كبيرًا على السكان الذين خبروا الجوع وشهدوا موت أحبتهم أمام أعينهم، وبطريقة بشعة، دون أن يستطيعوا مساعدتهم.

وتحدثت العديد من التقارير والروايات الشفوية، إضافةً إلى بعض الوثائق الحكومية الرسمية، عن شيوع أكل لحوم البشر خلال فترة المجاعة.

ويتناول الفيلم كذلك محاولة السلطات الصينية إبقاء هذه المأساة سرًّا لأكثر من 50 عامًا بهدف الحفاظ على صورة ماو في الصين والعالم، بوصفه رمزًا لا يمكن المساس به لكونه مؤسس الصين الحديثة ومصدر شرعية سلطتها.

أُنتج الفيلم الوثائقي. في عام 2015، وهو من إخراج كل من باتريك كابوات وفيليب جرانجيرو.