22-مارس-2018

الزلزال الذي ضرب تشيلي قبل انطلاق كأس العالم 1962 بعامين (Getty)

قاطعت العديد من دول أميركا الجنوبية النسخة الثانية من كأس العالم المقامة بإيطاليا عام 1934 بسبب عدم مشاركة إيطاليا وبعض الدول في النسخة الأولى بالأوروغواي، كذلك فعلت هذه الدول في النسخة الثالثة التي استضافتها فرنسا بسبب إقامة البطولة في قارّة أوروبا رغم أحقّية قارّتهم بذلك، وعندما استضافت البرازيل النسخة الرابعة عام 1950، شاركت هذه الدول باستثناء الأرجنتين التي لم تحضر البطولة بسبب خلافاتها المستمرة مع جارتها، وبعد إقرار استضافة أوروبا  لنسختين أعوام 1954 في سويسرا و1958 بالسويد كان لا بدّ من إقامة النسخة السابعة في أميركا اللاتينية.

رئيس ملف تشيلي لاستضافة كأس العالم 1962: لا نملك شيئاً ولكن نريد تنظيم كأس العالم لتحسين أحوالنا الاقتصاديّة

 وهنا لم يكن هنالك دولة مرشّحة لهذا الشرف أكثر من الأرجنتين، لكن تشيلي دخلت على خط التنافس وأعلنت نيّتها استضافة كأس العالم عبر رئيس اتحادها كارلوس ديتبورن، و الذي ترأس اتحاد أميركا اللاتينية لكرة القدم بين عامي 1955 و1957، وأكثر ما استطاع فعله في تلك الفترة هو توظيف علاقاته في إقناع الفيفا بقدرة بلاده على استضافة كأس العالم، فتعهّد ببناء ملعبين سيكونان على مستوى الحدث العالمي، إضافة إلى تحسين البنى التحتيّة، وكان له أسلوبٌ خاص استطاع به أن يقنع المصوّتين عندما قال " لا نملك شيئاً ولكن نريد تنظيم كأس العالم لتحسين أحوالنا الاقتصاديّة"، وبالفعل قرر الفيفا خلال اجتماعه في لندن بالتاسع من حزيران عام 1956 احتضان تشيلي للمونديال، وذلك بعد أن أحرزت الأرجنتين 11 صوتاً فقط، مقابل 32 لتشيلي.

استاد سانتياغو الدولي

وقبل عامين من تحقيق حلم تشيلي باستضافة البطولة، أتت كارثة زلزلت أركان البلاد، ففي يوم الأحد 22 أيار عام 1960، هزّ تشيلي زلزال فالديفيا أو زلزال تشيلي الكبير الذي أودى بحيات الآلاف، ويُعتبر أقوى زلزال سُجّل على  سطح الأرض، إذ بلغت شدّته 9.5 على مقياس ريختر، ونتج عنه غرق أجزاء كبيرة جنوبيّ البلاد بسبب فيضان "تسونامي" أعقب الزلزال، وهُنا ظنّ الكثيرون أنّ على البلاد الاعتذار عن استضافتها للعرس الكروي، لكنّ ظنّهم كان خاطئاً، إذ شكّلت استضافة البطولة بالنسبة لتشيلي مسألة حياة أو موت، واستطاعت أن تنهض من فوق الركام وتعدّ العدّة لإعمار الدمار الذي خلّفته الطبيعة.

هزّ تشيلي قبل استضافتها لكأس العالم بعامين أعنف زلزال سجّلته الكرة الأرضيّة حتى الآن، إذ بلغت شدّته 9.5 درجات

كان خلف كل ذلك حكومةٌ مصرّة على تنظيم الحدث الذي وجدت به فرصة حقيقية لنسيان الموت وإحياء البلاد، ولكنّ أكثر الفاعلين في تحقيق هذا الحلم كان آنف الذكر كارلوس ديتبورن الذي حمل على عاتقه رئاسة ملف الاستضافة، ولكن الأقدار قالت كلمتها مرّة ثانية قبل شهر من بداية كأس العالم، إذ تعرّض كارلوس ديتبورن لأزمة قلبية فارق على إثرها الحياة وهو في ريعان شبابه بعمر 38 سنة، فقررت الحكومة إطلاق اسمه على ملعب مدينة أريكا الذي ستُلعب به بعض مباريات البطولة تكريماً لجهوده وتخليداً لاسمه.

تقدّمت 56 دولة إلى الفيفا بطلبات للعب تصفيات كأس العالم، وما لبث أن تقلّص العدد إلى 49 منتخباً خاضوا التصفيات بعد انسحاب عدّة فرق أبرزها الجمهورية العربية المتحدة "مصر+سوريا" و السودان ورومانيا وإندونيسيا.

كانت المغرب قريبة جدّاً من الوصول لكأس العالم لأول مرة في تاريخها، فبعد تخطّيها لغانا كان لزاماً عليها تجاوز إسبانيا من أجل التأهل، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد الخسارة بمجموع المباراتين 4-2، إذ كان على فرق آسيا وأفريقيا خوض مباريات ملحق مع فريق أوروبي، وهو الأمر الذي جعل البطولة خالية من أي فريق آسيوي أو أفريقي.

كذلك شهدت التصفيات خروج وصيف المونديال السابق الفريق السويدي وصاحب المركز الثالث منتخب فرنسا، وهذه المرّة الوحيدة في تاريخ كأس العالم التي يحصل بها ذلك، إذ خرج الأول بعد مباراة فاصلة لعبها أمام سويسرا في برلين، بينما خرجت فرنسا إثر مباراة فاصلة لعبتها مع بلغاريا في ميلان.

شعار النسخة السابعة من كأس العالم

فيما خرجت الباراغواي من التصفيات بعد خوضها لمباراتي الملحق أمام المكسيك، إذ فازت الأخيرة على أرضها 1-0، وحققت تعادلاً في الباراغواي، تعادلٌ جنّبها خوض مباراة فاصلة على أرض محايدة، فاستطاع المدرّب المكسيكي إغناسيو تريليس أن يقود بلاده للنهائيات للمرة الثانية على التوالي، توفّي تريليس في آذار 2020 عن عمر ناهز 104 عامًا.

كانت المغرب قريبة جدّا من وصولها للمونديال لأول مرة في تاريخها عام 1962، فيما انسحبت السودان والجمهورية العربية المتحدة من خوض التصفيات

استمرّ نظام البطولة على ما هو عليه في النسخة السابقة مع بعض التعديلات الطفيفة، إذ وُزّعت الفرق الـ16 على 4 مجموعات يتأهل من كل واحدة فيها فريقين إلى دور الثمانية، حيث تلعب الفرق بنظام الدوري من مرحلة واحدة، والجديد هنا أنّه في حال تعادل فريقين بالنقاط سيتم احتساب فارق الأهداف، وإن استمر التعادل سيلجأ الفريقان للقرعة التي ستحدد مصيرهما، وإن تعادل فريقان بالأدوار الإقصائيّة يتوجّب على الحكم تمديد اللقاء، وإجراء قرعة لتحديد الفائز إن استمرّت نتيجة التعادل.

المنتخب الإنجليزي يتهيّأ لكأس العالم

تأهل إلى النهائيات 16 فريقاً ضمنهم كلّ المنتخبات التي أحرزت النسخ السابقة من كأس العالم، إضافة إلى تواجد العديد من الفرق القوية كإنجلترا والمجر والاتحاد السوفييتي بطل النسخة الأولى من كأس أمم أوروبا 1960، ويوغوسلافيا بطلة أولمبياد روما 1960، وفرنسا وإسبانيا، وهذا ينبّئ ببطولة قوّية وشيّقة ستمتع المتابعين، إذ تطمح كل الدول سابقة الذكر أن تحرز كأس العالم لأول مرّة بتاريخها فيما تتطلّع إيطاليا والأوروغواي لقنص الكأس الثالثة، وهذا إن حدث فسيعني الاحتفاظ بها للأبد وفق العرف الكروي، في وقت ترغب به البرازيل أن تحتفظ بلقبها كثاني فريق يفعل ذلك بعد إيطاليا في النسختين الثانية والثالثة 1934-1938، فلمن ستبتسم الأقدار هذه المرّة؟

تابعونا في الجزء القادم..