06-أبريل-2018

لقطة من الشريط

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية بنسختها الدولية مراجعة معمقة لفيلم مارتن ماكدونا، صاحب السمعة الأسلوبية المتنامية، ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبنغ -ميزوري/Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، بقلم الناقد السينمائي  بيتر برادشو، ننقلها هنا مترجمًة بتصرف.


تصيب مشاهدة فيلم مارتن ماكدونا، الدراما التراجيدية الكوميدية ​​المثيرة التي تؤدي دور البطولة فيها فرانسيس ماكدورماند، المرء بالصدمة مرارًا وتكرارًا، وبقوة وبكثافة، كبطل كاراتيه حاصل على الحزام الأسود قادر على تركيع وحيد القرن بضربة واحدة خلف الأذن.

ترافق الكوميديا ​​والألم والعذاب ومضات صادمة من العنف والغضب في فيلم ثلاث لوجات إعلانية،  لها تأثير مباعد، وإن لم يكن ساخرًا

إنه فيلم عن الانتقام والعنف وقبول الموت، والجمع بين اللباقة والصراحة، وعلاوة على ذلك، يخدعك بشأن الشخصية التي يتمحور حولها الفيلم حقًا. تحدث الدراما في مدينة ذات اسم متشائم خبيث، إيبينغ/الانحسار، في ولاية ميزوري. مجتمع ناءٍ في جنوب الولايات المتحدة، حيث يبدو وكأن فرحة الحياة تكاد تتلاشى فيه. هناك نغمة متكررة حزينة رثائية مستوحاة من الأغنية التراثية الأيرلندية "The Last Rose of Summer" ورائعة تاونز فان زاندت "Buckskin Stallion Blues"، وهو مزيج موسيقي يربط بين أيرلندا التي كتب مارتن ماكدونا عنها من قبل، والولايات المتحدة التي يستحضرها هنا، أمريكا التي فيها شيء من الأخوين كوين، المخرجان الأمريكيان. التشابه لا يعتمد ببساطة على فرانسيس ماكدورماند، على الرغم من أنها قدمت أفضل أداء لها منذ قيامها بدور في البطولة كقائدة شرطة مينيسوتا الحامل في فيلم فارغو (Fargo) الذي أخرجه الأخوان كوين في عام 1996.

اقرأ/ي أيضًا: آل باتشينو: يسهُل خداع العين أما التحايل على القلب فهو الأصعب

تقوم فرانسيس مكدورماند بدور ميلدريد هيز، وهي امرأة في منتصف العمر أرهقتها المأساة وتسببت في اكتسابها صلابة، والتي ترتدي في بعض الأحيان رباط رأس يضفي عليها مظهر محارب أضنته الهموم. هي منفصلة، تعمل في محل منفِّر لبيع الهدايا وتعيش مع ابنها روبي "لوكاس هيدجز"، بينما تركها زوجها تشارلي "جون هوكس" ليعيش مع فتاة في التاسعة عشرة من العمر تعمل في حديقة حيوانات المدينة.

في وقت سابق، تعرضت ابنة ميلدريد المراهقة للاغتصاب والقتل ولم تقم الشرطة بأي اعتقالات. تستأجر ميلدريد ثلاث لوحات إعلانية غير مستخدمة خارج المدينة وتكتب عليها عبارات تطالب فيها بمعرفة السبب في أن قائد شرطة البلدة لم يحقق أي تقدم على الإطلاق في قضية ابنتها. اللوحات الإعلانية الثلاثة هي بمثابة منافذ للتنفيس عن غضبها وحزنها. تجذب اللوحات انتباه الأخبار التلفزيونية المحلية، لكن ليس وسائل التواصل الاجتماعي على ما يبدو، وتذهل وتثير غضب سلطات البلدة، تمامًا كما أرادت ميلدريد. يرفض قائد الشرطة ويلوبي "وودي هارلسون" أن تستفزه مشاكل من صنعه، لكن نائبه العنصري المهتاج الذي لا يتمتع بكفاءة، ديكسون "سام روكويل"، يتبنى وجهة نظر مختلفة للغاية. اللوحات الإعلانية الثلاثة هي حافز، يخلق ويسرع الأزمات التي ترتبط بمأساة ميلدريد الخاصة، لكن بشكل غير مباشر فقط.

يعبر وجهُ فرانسيس مكدورماند ببلاغة عن مشاعر شخص تخطى مرحلة الأمل، والخوف، لكنه لم يتخلَّ عن الاهتمام بقضيته. تمثل هي بصورة بائسة "الوردة الأخيرة من الصيف/ التي تركت لتتفتح وحدها/ وجميع رفاقها تتلاشى وتختفي"، ومن الغريب أن قزم البلدة، الذي قام بدوره بيتر دينكليج ببراعة، معجب بها بشدة، وإعجابه النبيل يؤدي دورًا مهمًا في الفيلم. ومع ذلك، يظهر الفيلم كيف يبدأ غير العقلانيين في إلقاء اللوم  بشكل جماعي على احتجاجها على الكارثة بسبب مصيبة أصابت ويلوبي نفسه، وهو وضع منفصل تمامًا لكنه يؤثر على قضيتها.

هناك نوع من الغرابة في شريط مارتن ماكدونا، تتمثل في مسحة الهلوسة الهزلية التي تظهر على السطح بشكل دوري

ترافق الكوميديا ​​والألم والعذاب ومضات صادمة من العنف والغضب، والتي لها تأثير مباعد، وإن لم يكن ساخرًا. وكأنه استرجاع لفيلم No Country for Old Men، كما تذكر القصيدة الأيرلندية بأغنية Danny Boy المستخدمة في فيلم Miller’s Crossing. ليس بالضرورة أن يكون رجال الشرطة هم الأشرار، أو الطيبين، والمثير للاهتمام أنه فقط عندما يحرم ضابط معين من سلاحه وشارته، يصبح فاعلًا في تطبيق القانون. الناس الذين اعتقدنا أنهم مجرد رسوم كاريكاتورية، يظهرون صفات بشرية تدريجيًا .

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أنسين" لسودربيرغ.. تشويق عبر عدسة الهاتف

يقودنا هذا إلى ردة الفعل الحادة تجاه هذا الفيلم، شعور في بعض الأوساط أنه على الرغم من الدور النسائي القوي، يبدو أن الفيلم لا يهتم بقضية التمييز العرقي، من خلال جعلها أمرًا فرعيًا في الرحلة الأخلاقية للشخصيات البيضاء. في هذا الرأي وجهة نظر، على الرغم من أن في الحياة، كما في الفن، هذه هي الشخصيات التي تعتبر الرحلة الأخلاقية ضرورية بالنسبة لها.

هناك نوع من الغرابة في هذا الفيلم، تتمثل في مسحة الهلوسة الهزلية التي تظهر على السطح بشكل دوري. يتكرر هذا الظهور بما يكفي لجعلك تشك في أن بساطًا ما سيسحب كاشفًا عن خدعة خفية. لكن ليس هذا هو المغزى المقصود. إنه فيلم لا يقدم نمطًا أو اتجاهًا سرديًا واضحًا، ولا تعرف فيه ممن يجب أن تضحك أو مع من. تحمل فرانسيس ماكدورماند كل ذلك معًا، شجاعة الأم العازمة على الأخذ بزمام الأمور، وتلتزم بشدة بحس النظام وحس الفكاهة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جاك نيكلسون: الموت الحقيقي هو التوقف عن التعلم

فريدا بينتو: السينما تحرم النساء من صورتهن الحقيقية