22-أغسطس-2023
gettyimages

لم يتضح بعد من لديه الصفة القانونية للطعن في مشاركة ترامب في الانتخابات (Getty)

قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إنه سيسلم نفسه للسلطات في جورجيا يوم الخميس لمواجهة اتهامات في القضية، التي تتهمه بالتخطيط بشكل غير قانوني لإلغاء خسارته في انتخابات عام 2020، وذلك في حلقة جديدة من لوائح الاتهام، التي تواجه المرشح الجمهوري الأبرز للانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وبينما يخوض ترامب، معارك قضائية واحدة تلو الأخرى، تبرز قضية لا تقل أهمية في تحديد مستقبله السياسي، وأهليته للترشح للسباق الرئاسي الذي سيجرى العام المقبل.

ويتعلق الأمر بنص في دستور الولايات المتحدة، هو البند الثالث في التعديل الرابع عشر، والذي ينص على منع أي شخص الترشح لمنصب فيدرالي حال إدانته بتهمة التمرد.

"البند الثالث لا يقتصر تطبيقه على الحرب الأهلية ولا حلفاء الكونفدرالية الذين حنثوا بيمينهم. إنه بند عام، ولذا فهو ينطبق على أي شخص يحرِّض على عصيان أو تمرد"

وقد تناولت صحيفة "الغارديان"، الموضوع بمزيد من التفاصيل، حول ما إذا كان هذا البند يمكن أن يطبق على  ترامب، وينهي حياته السياسية.

وتقول الصحيفة البريطانية: "ينص دستور الولايات المتحدة على شروط واضحة يتعين على المواطن الأمريكي أن يفيَ بها لكي يمكنه الترشح لمنصب الرئاسة، وهي ألّا يقل عمره عن 35 عامًا، وأن يكون مواطنًا بالمولد، وأقام في الولايات المتحدة لمدة 14 عامًا على الأقل، ويحظر الدستور على أي شخص شغل منصب الرئيس في ولايتين كاملتين أن يترشح مرة أخرى".

وبحسب "الغارديان"، هذه الشروط لا تمنع ترامب أو غيره مُدان بارتكاب جريمة، من الترشح لمنصب فيدرالي. لكن توضح الصحيفة البريطانية، أن دستور الولايات المتحدة، يتضمن بندًا يتضمن شرطًا من نوع آخر، إذ يقول: إنه "لا يجوز لأي شخص أن يتولى أي منصب مدني أو عسكري في الولايات المتحدة، إذا كان قد أدى من قبل قسم الخدمة في منصب تشريعي أو تنفيذي أو قضائي، ثم انخرط في عصيان أو تمرد، أو قدم المساعدة أو التأييد لأعداء البلاد الذين شاركوا في التصرفات المذكورة".

بودكاست مسموعة

هل ينطبق البند الثالث على ترامب؟

هذه اللغة الواردة في البند الثالث من التعديل الرابع عشر، تستبعد ترامب من الترشح للمنصب، بسبب جهوده لإلغاء انتخابات 2020، كما خلص اثنان من الباحثين المحافظين البارزين، وهما ويليام بود من جامعة شيكاغو، ومايكل ستوكس بولسن من جامعة سانت توماس، في دراسة نوقشت مرارًا، بعد أن نشرتها مجلة "University of Pennsylvania Law Review".

وكتب بود وبولسن في دراستهما المكونة من 126 صفحة، والتي واكبت تاريخ البند الوارد في التعديل الدستوري، والفهم الأصلي لمنطوقه، أن "خلاصة القول إن دونالد ترامب انخرط في عصيان أو تمرد، وقدم المساعدة والتأييد لآخرين شاركوا في تصرف من هذا النوع، بمقتضى المعنى الأصلي للمصطلحات الواردة في البند الثالث من التعديل الرابع عشر، ولذلك فإنه إذا كانت السجلات العامة لمّا وقع في هذه الأحداث (مساعي الانقلاب على نتيجة الانتخابات) دقيقة، فإن التغاضي عما ورد في هذا البند أمرٌ في غاية الصعوبة".

وأشارت الدراسة إلى أن، هذا البند قد وُضع بعد الحرب الأهلية الأمريكية لمنع مَن انضموا إلى جيش الولايات الكونفدرالية -التي أعلنت انفصالها عن الولايات المتحدة إبان الحرب الأهلية الأمريكية- من تولي أي منصب فيدرالي، ومع ذلك فإن البند لم يُستخدم من قبل لمنع مرشح رئاسي من تولي المنصب.

getty

إجراءات لمنع ترامب من الترشح 

من جهته، قال أستاذ القانون في جامعة نورث وسترن، ستيفن كالابريسي: "أرى إن البند واضح وضوح الشمس"، وأضاف "البند الثالث لا يقتصر تطبيقه على الحرب الأهلية ولا حلفاء الكونفدرالية الذين حنثوا بيمينهم. إنه بند عام، ولذا فهو ينطبق على أي شخص يحرِّض على عصيان أو تمرد"، وأوضح كالابريسي، أنه يرى "هجوم 6 كانون الثاني/يناير 2021 على مبنى الكابيتول كان تمردًا".

بدوره، أشار المدير التنفيذي لمجموعة "مواطنون من أجل الدفاع عن المسؤولية والأخلاق في واشنطن"، نوح بوكبيندر، في مقابلة أجريت معه في وقتٍ سابق من هذا الشهر، إلى أن "فقدان الأهلية بمقتضى التعديل الرابع عشر لا يتطلب إدانة جنائية". 

وفي هذا الإطار، كانت مجموعة "Free Speech for People" ذات الميول اليسارية، قد أرسلت بالفعل رسائل إلى مسؤولي الانتخابات في 10 ولايات تحثهم فيها على إعلان أن ترامب غير مؤهل للترشح لمنصب الرئاسة بموجب التعديل الرابع عشر، وقال بوكبيندر إن مجموعته تستعد أيضًا لرفع دعوى قضائية في عدة ولايات لاستبعاد ترامب من الترشح.

مأزق منع ترامب

من جهة أخرى، قال أستاذ القانون في جامعة ولاية أوهايو، إدوارد فولي: "من الأهمية بمكان إن يُحلَّ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن، وبالتأكيد قبل الانتخابات وليس بعدها"، وأشار إلى أنه يتخوف من أنه "إذا لم يُحل الأمر حلًا نهائيًا قبل الانتخابات، فقد تبرز لنا هذه المشكلة في 6 كانون الثاني/يناير 2025، إذا فاز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي، لأننا سمحنا بإدراجه في بطاقات الاقتراع"، وأضاف "يكفيك أن تتصور ما سيحدث إن حاولنا إقصاء ترامب عن المنصب بعد فوزه. ستكون كارثة كبرى"، فضلًا عن أن الأمر "ستنشأ عنه أزمة دستورية حقيقية".

وأوضح فولي: "في ظل الديمقراطية، لا نحب فكرة أنه لا يُسمح لنا بالتصويت لشخص قد نرغب في التصويت له"، وأضاف "من ناحية أخرى، قد يكون باراك أوباما في الواقع مرشحًا قويًا جدًا للحزب الديمقراطي في الوقت الحالي، لكنه غير مؤهل دستوريًا. ومهما كان مدى رغبة الأمريكيين أو الديمقراطيين في ترشيح باراك أوباما، إلا أنه من غير المسموح دستوريًا القيام بذلك".

زكي وزكية الصناعي

لكن في حالة ترامب، لو "انتهى الأمر بكونه غير مؤهل دستوريًا للترشح، فإن كثيرًا من الأمريكيين سيُغضبهم أنهم لم يتمكنوا من التصويت للمرشح الذي يريدونه في المنصب، وسيزيد الأمر احتقانًا وتوترًا، مع اقتراب الموعد الانتخابي المحموم بالخلافات السياسية".

استغلال البند الثالث في الخصومة السياسية

في المقابل، وخلافًا للآراء الواردة، يشكك أستاذ القانون في جامعة ستانفورد، مايكل ماكونيل، في جدوى الاستناد إلى التعديل الرابع عشر، لاستبعاد ترامب من الانتخابات، قائلًا: "صلاحية إلغاء الأهلية قد تختلف باختلاف الولاية، وأرى أنه ما إن يقرر مسؤول حكومي استبعاد ترامب من الترشح بمقتضى البند الثالث من التعديل الرابع عشر، فإن الأمر لن يلبث أن يُحال إلى المحكمة العليا، ولا نعرف ماذا سيكون رأي المحكمة حينها".

إضافة على ذلك، لم يتضح بعد من لديه الصفة القانونية للطعن في مشاركة ترامب في الانتخابات، ويرى بعض الخبراء أن أنسب من يطعن في ترشح ترامب من الناحية القانونية هو مرشح يخوض المنافسة ضده، وأن يتقدم بالطعن بدعوى أنه متضرر من مشاركة مرشح غير مؤهل في الاقتراع.

البند القانوني القادم من زمن الحرب الأهلية الأمريكية، قد يمنع ترامب من الترشح حال تفعيله، رغم عدم استخدامه سابقًا، مع أي مرشح رئاسي

وكان كالابريسي قد أشار في مدونة له إلى أن حاكم ولاية نيوجيرزي سابقًا، كريس كريستي، وهو أحد أبرز منتقدي ترامب في الحزب الجمهوري، يمكن أن يقوم بهذه المهمة.

ومع ذلك، يشير ماكونيل إلى أن وزارة العدل لم توجه اتهامات لترامب في ارتكاب انتهاكات لقانون معين يتعلق بجرائم التمرد، لذا يجب أن يكون "البند الدستوري هو الملاذ الأخير"، وقال ماكونيل: "ربما ما حدث في 6 كانون الثاني/ يناير، يرقى إلى هذه المرتبة. فلا شك أنه كان اضطرابًا مدنيًا أكثر خطورة مما شهدناه من قبل. لكنني أشك في إمكان تصنيفه تمردًا، وأرى أن هذا الوصف ينطوي على قدر من المبالغة"، وأضاف "لقد شارك مئات من الناس في أحداث 6 كانون الثاني/يناير، وحُوكموا جنائيًا، ومع ذلك لم يُتهم أي منهم بالتمرد". لكن، كالابريسي قال إنه يمكن استبعاد ترامب بموجب التعديل الرابع عشر، حتى لو لم يتهم رسميًا بتهمة التمرد، مشيرًا إلى أن "معايير إثبات تورط ترامب في التمرد ستكون أقل حدة في القضايا المدنية مما عليه الأمر في الملاحقات الجنائية".

وأوضح ماكونيل، أن تشكيكه في استبعاد ترامب لم يكن القصد منها الدفاع عن ترامب، وإنما إبداء المخاوف مما قد يحدث إذا كرر أي مرشح اللجوءَ إلى هذا الطريق لاستبعاد منافسيهم من الانتخابات، قائلًا: "لا أريد إن ننقاد إلى الاستهانة بهذه المصطلحات والاتهامات، بحيث يصبح التقدم بدعاوى عدم الأهلية ضد الخصوم السياسيين سببًا آخر من أسباب الاختلال في نظامنا القانوني والانتخابي".