30-أكتوبر-2019

تعد استقالة الحريري أول مكاسب الانتفاضة اللبنانية (رويترز)

نُفّس الاحتقان في الشارع قليلًا، واعتبر المتظاهرون أن جزءًا يسيرًا من مطالبهم تحقق، باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تحت ضغط الانتفاضة في يومها الـ13، وبعد محاولات قمع عنيفة للمتظاهرين من قبل قوات الأمن، وأنصار لأحزاب وجماعات السلطة.

بدا أن الحريري غير قادر على تخطي الأزمة رغم "ورقة الإصلاحات"، كما بدا أنه واقع تحت ضغوط الفرقاء السياسيين

بدا أن الحريري غير قادر على تخطي الأزمة، رغم ورقة الإصلاحات التي قدمها، باعتبارها وصفة لحل كل المشكلات، واجتمع المتظاهرون على رفضها جملةً وتفصيلًا.

اقرأ/ي أيضًا: الحريري يضع استقالته في تصرف رئيس الجمهورية وقمع الاحتجاجات مستمر

كما بدا أن الحريري كان واقعًا في مأزق ضغوط الفرقاء السياسيين في الحكومة، الذين شكلوا "حكومة وطنية" لم تنجح في إيجاد حلول للأزمات المتتالية، وفي كثير من الأحيانٍ ساهمت في تفاقمها. وقد صرح بذلك الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إذ قال: "ما فيك تبقى رئيس حكومة، ووقت الأزمة تستقيل وتفل"!

لكن عوامل عدة اجتمعت وأفقدت سعد الحريري قدرته على الاستمرار في التمسك بالسلطة، ولعل أبرزها:

والآن، وبعد أن تقدم الحريري باستقالته، في منجز أوّل للانتفاضة اللبنانية، ما هي السيناريوهات الممكنة، المطروحة بعد استقالته؟

1. تسليم السلطة السياسية

دعا الحزب الشيوعي إلى تشكيل حكومة وطنية "لا طائفية ولا مذهبية". لكن دون توضيح للآليات الممكنة لتشكيل هذه الحكومة.

آخرون شددوا على ضرورة تجاوز طرح حكومة التكنوقراط، باعتبارها "غير مجدية" و"ستكون خاضعة للتجاذب السياسي"، مشيرين إلى أن حكومة الحريري كانت مليئة بالاختصايين والمستشارين التكنوقراط.

لبنان
الاعتداء على المتظاهرين في بيروت

أما الوزير السابق، شربل نحاس، فقد دعا الحكومة إلى الاستقالة وتسليم السلطة لحكومة انتقالية الهدف منها إجراء انتخابات نيابية بقانون مدني غير مذهبي.

2. الشعب مصدر السلطات

وأما مجموعة "لحقي"، التي تمثل تيارًا من المتظاهرين، فقد أصدرت بيانًا لما أسمتها بـ"المرحلة الثانية في مسار استكمال تحقيق باقي أهداف الثورة"، طالبت فيه بـ"تشكيل حكومة مدنية إنقاذية مصغرة من خارج قوى المنظومة الحاكمة، نصفها من النساء، تقوم بإدارة الأزمة وتحقيق العدالة الضريبية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة".

كما دعت المجموعة إلى عدم التوقف عن الضغط على السلطة حتى تتحقق أهداف الانتفاضة اللبنانية، محذرة من "الانتقال إلى تصعيد أكبر في حال عدم توقيع مرسوم تكليف رئيس مستقل للحكومة حتى يوم الجمعة" الموافق الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2019. 

وفي تصريح لـ"الترا صوت"، قال ماهر أبو شقرا، العضو المنظم في "لحقي" إن "الثورة ما زالت مستمرة على الأرض. والآن تأتي المرحلة الثانية من الانتفاضة. وفي ظل هذه الظروف ندعو لتشكيل حكومة مدنية مصغرة".

ولفت أبو شقرا إلى أن الحكومة التي تدعو المجموعة لتشكيلها، لن تمنحها الثقة على الأرجح، لذا فإن المقترح البديل أن تستند الحكومة في شرعيتها إلى الشعب "الذي هو بحسب الدستور اللبناني، مصدر السلطات"، كما قال. 

وفي العادة، ما يحدث أنه تتم استشارات نيابية ملزمة عند رئيس الجمهورية، ثم يصدر تكليف من الرئيس لتشكيل الحكومة، ويطرح التشكيل على المجلس النيابي لنيل الثقة.

لكن، وعلى حد قول أبو شقرا، فـ"الشعب اللبناني في انتفاضته قد سحب الثقة من المجلس النيابي، وبالتالي يجب العودة إليه، أي للشعب، لاختيار ممثلين له في الحكم. لذا على رئيس الجمهورية أن يستشير الشعب، ومن هنا تأتي أهمية الضغط الشعبي على رئيس الجمهورية لتكليف شخصية تحظى بالمشروعية الشعبية من الشارع بشكل مباشر".

الاحتجاجات في لبنان
استمرار الانتفاضة في لبنان بعد استقالة الحريري

ويحدد أبو شقرا عددًا من مهام الحكومة المقترحة، على رأسها: "استعادة الأموال المهوبة، ومصارحة الشعب بالإجابة على سؤال: أين هُدر المال العام؟". ويؤكد أبو شقرا أنه في هذه اللحظة، على الشارع دعم الحكومة لفتح مثل هذه الملفات، لأنها، على حد تعبيره "ستصطدم بالتجاذبات السياسية والطائفية لمنع كشف الفاسدين".

3. جمهورية ثالثة

أحد الخيارات المطروحة من قبل بعض المجموعات والحركات المدنية، هو: "الانتقال من دستور إلى دستور"، أو بتعبير آخر: الانتقال من الجمهورية الثانية التي بنيت على اتفاق الطائف، إلى الجمهورية الثالثة، بحيث يُبدّل نظام الحكم بأكمله.

يرى الفريق المؤيد لهذا السيناريو، أو الأحداث الجذرية كفيلة بإحداث تغيير على هذا المستوى، وأن الانهيار الاقتصادي من بين هذه الأحداث، وهو ما يعيشه لبنان الآن. 

وإن كانت المخاوف حاضرة في هذا السيناريو، من تكرار اقتتال أهلي بين الأحزاب والتيارات السياسية/الطائفية. وهو أمر دأب قادة سياسيون على التهديد به بصيغة التحذير.

4. الالتفاف على الانتفاضة

"تسير الانتفاضة الشعبية في حقل ألغام سيتم زرعها من قبل السلطة الحاكمة لتفتيت الشارع، باللعب على التوتير الطائفي مجددًا"، يقول أبو شقرا، بالإشارة إلى ما بدأ يُروّج الآن بأن المستقيل هو "رئيس الحكومة السني"، في حين لم يقدم رئيس مجلس النواب الشيعي أو رئيس الجمهورية المسيحي على الاستقالة!

يحذر نشطاء من الالتفاف على الانتفاضة بخطاب طائفي أساسه أن السنة خسروا حصتهم في السلطة باستقالة الحريري

هذا الخطاب الذي بدأ البعض في ترديده، يحمل ما يصفه أبو شقرا بـ"الالتفاف على الانتفاضة" بزرع إحساس المظلومية لدى السنة، الأمر الذي يحذر منه نشطاء الانتفاضة، بالتأكيد على تجاوز خطابه العام للمحاصصات الطائفية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"زعران" أمل وحزب الله يحولون بيروت إلى ساحة حرب

خريطة التظاهرات في لبنان.. إصرار أكبر قمع أكثر