25-مايو-2024
هجوم على رفح

(Getty) تتراجع التصريحات الأميركية والبريطانية عن معارضة الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح

بعد أشهر من التحذيرات الدولية من توغل إسرائيلي في رفح، ومع قرار العدل الدولية الأخيرة الذي طالب بإيقاف الهجوم على المدينة، إلّا أنّ جيش الاحتلال يتقدم بشكلٍ تدريجي تجاه وسط المدينة، بينما تقل التصريحات الأميركية والبريطانية المعارضة للهجوم، في محاولة للتنصل من "الخط الأحمر" الذي رسم لتل أبيب.

وهذا السياق، قال محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "الغارديان" البريطانية باتريك وينتور: "سترفض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أمر محكمة العدل الدولية الذي يأمر إسرائيل بإنهاء هجومها على رفح بعد أن طمسوا ببطء خطوطهم الحمراء التي ذكرت ذات مرة أنهم لا يستطيعون دعم هجوم عسكري في رفح".

يقول المسؤولون الأميركيون، إنهم يقبلون وجود ضحايا بين المدنيين خلال العمليات الإسرائيلية في رفح. لكنهم يصرون معارضة أي عمل يمكن أن يؤدي إلى عدد كبير من القتلى مماثل للعمليات الإسرائيلية السابقة في خانيونس ومدينة غزة

وأضاف وينتور: "تم تعديل هذا الخط في البداية بالقول إنهم لا يستطيعون دعم هجوم بري كبير دون خطة موثوقة لحماية المدنيين، ولكن منذ ذلك الحين أصبح تعريف ما يشكل هجومًا كبيرًا أكثر مرونة".

واستعرض وينتور عدة تصريحات بريطانية للكشف عن التحول، منها تصريح نائب وزير الخارجية البريطاني أندرو ميتشل، الذي للنواب يوم الإثنين: "لا يمكن للمملكة المتحدة إلا أن تدعم خطة بناءة لرفح تتوافق مع القانون الإنساني الدولي في النواحي جميعها".

ويوم الثلاثاء، أخبر لجنة الأعمال التجارية البريطانية أن "العملية الكبيرة في رفح، على ما يبدو، لم تبدأ بعد"، على الرغم من أن 800 ألف شخص فروا من المنطقة، بما في ذلك 400 ألف حُذّروا من قبل الجيش الإسرائيلي.

وعلى وينتور على ما سبق، بقوله: "إن تعريفه للهجوم الكبير، الذي لم يشمل عملية أدت إلى الفرار الجماعي لعدد كبير من الناس، كان سببًا في زيادة مدى سذاجة أعضاء البرلمان من حزب العمال في اللجنة". واستمر في عرض تصريح لميتشل، قال فيه: "ما قلناه هو أننا لا نعتقد أن عملية في رفح يجب أن تتم دون أن تكون هناك خطة مناسبة، وأننا لم نر مثل هذه الخطة، ومن ثم يبقى موقفنا هو أنه دون رؤية تلك الخطة، لا ينبغي أن تمضي إسرائيل قدمًا".

وواصل عرض تصريحات ميتشل، التي قال فيها إن "بريطانيا تفعل ما في وسعها للمساعدة في المساعدات"، مضيفًا حقيقة أن "800 ألف شخص اختاروا الرحيل من تلقاء أنفسهم لن تقودنا إلى إجراء تغيير في التقييم" بشأن ما إذا كان قد حدث انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني.

وسأل النائب العمالي آندي ماكدونالد، وهو يستعرض القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية، الوزير: "ما هو الخيار الذي كان أمامهم للتحرك؟ هل كان هذا مجرد: أعتقد أنني أريد أن أذهب وأعيش في مكان آخر؟ أليس هذا اقتراحًا غير معقول أن الأمر يتعلق بالإرادة الحرة؟". أجاب ميتشل: «لقد انتقلوا نتيجة الظروف».

وسأل الوزير مباشرة: "هل تعتقد، سيد ميتشل، كوزير، أن إسرائيل لديها حاليا النية للامتثال للقانون الإنساني الدولي في رفح؟". فأجاب ميتشل: "لا يهم يا سيدي ما أؤمن به. المهم هو العملية القانونية التي تحدد هذا القرار".

واتخذ مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، خطا مختلفا في مؤتمر صحفي مع الصحفيين يوم الأربعاء، مشيرًا إلى أنه قد أطلعه مسؤولون إسرائيليون ومتخصصون إسرائيليون على التحسينات على خطة رفح التي من شأنها أن تحقق أهدافها العسكرية مع الأخذ في الاعتبار الضرر المدني.

وقال: "ما رأيناه حتى الآن فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك المنطقة كان أكثر استهدافًا ومحدودًا، ولم يتضمن عمليات عسكرية كبيرة في قلب المناطق الحضرية المزدحمة. علينا الآن أن نرى ما سيحدث من هنا. سنراقب ذلك، سننظر في ذلك، وسنرى ما إذا كان ما أطلعتنا عليه إسرائيل وما عرضته مستمرًا أم أن شيئًا آخر سيحدث".

وقال إنه لا توجد صيغة رياضية لتحديد ما إذا كانت الخطة مقبولة. وقال "ما سننظر فيه هو ما إذا كان هناك الكثير من الموت والدمار نتيجة لهذه العملية أم أنها أكثر دقة وتناسبًا". ولم يشر إلى الظروف التي يعيشها الفلسطينيون الذين أجبروا على الفرار.

ويتابع الصحفي في "الغارديان" وينتور: "يبدو، وفقًا للتفسير، أن الولايات المتحدة إما تشعر أنها أقنعت إسرائيل بتعديل خططها لجعلها مقبولة، أو أنها، في مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي المتمثل في استمرار الغزو بغض النظر عن اعتراضات واشنطن، تراجعت فعليًا.

وأضاف: "ربما كانت الحسابات تشير إلى أن التهديد بمعارضة غزو رفح كان مفيدًا في محاولة إقناع الجانبين بالموافقة على وقف إطلاق النار، ولكن عندما انهارت تلك المحادثات، لم تجد الإدارة الأميركية بديلًا للهجوم الإسرائيلي الذي يزيل ما تعتبره إسرائيل بمثابة الحل الأمثل لآخر أربع كتائب لحماس".

وواصل وينتور القول: "غيرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة موقفهما بشأن المسؤولية عن نقص المساعدات التي تصل إلى غزة، وهو جزء أساسي آخر من حكم محكمة العدل الدولية. قال ميتشل للنواب يوم الإثنين إن حجم المساعدات التي تصل إلى غزة غير كافية إطلاقًا. وقال وزير الخارجية ديفيد كاميرون: بينما تم إحراز بعض التقدم في بعض مجالات الإغاثة الإنسانية، يجب على إسرائيل أن تفعل المزيد للوفاء بوعودها، وأنا أضغط عليهم بشأن هذا على نحو مباشر. لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقولان الآن إن المساعدات لا تدخل معبر رفح بسبب النزاع بين مصر وإسرائيل، مما لا يحمل إسرائيل مسؤولية أكبر، على الرغم من أنها القوة المحتلة".

وفي تدليل على الموقف السابق، انتقدت حكومة بريطانيا محكمة العدل الدولية لأمرها إسرائيل بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الفور، قائلة إن "الحكم سيقوي حركة حماس"، وفق زعمها.

وكانت صحيفة "الواشنطن بوست" قد قالت "بعد مرور ما يقرب من أسبوعين على الهجوم الإسرائيلي على رفح، فإن الغزو الذي حذر منه الرئيس الأميركي بايدن قبل أشهر، وقد يكون "خطًا أحمر" لاستمرار الدعم الأميركي لحربها في غزة، يستمر على المدينة في جنوب القطاع. فيما تقول الإدارة الأميركية إن هذا الخط لم يُتجاوز بعد".

وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، للصحفيين يوم الأربعاء: "ما رأيناه حتى الآن فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك المنطقة كان أكثر استهدافًا ومحدودًا، ولم يتضمن عمليات عسكرية كبيرة في قلب المناطق الحضرية المزدحمة".

وقال إنه لا توجد "صيغة رياضية لتقييم حجم هجوم الجيش الإسرائيلي. ما سننظر فيه هو ما إذا كان هناك الكثير من الموت والدمار الناجم عن هذه العملية أو ما إذا كانت أكثر دقة وتناسبًا".

وأوضح التقرير: "المنظمات الإنسانية على الأرض تقول إن الإدارة الأميركية ترفض ببساطة الاعتراف بما لا تريد رؤيته".

وقالت سوزي فان ميجان، رئيسة العمليات في المجلس النرويجي للاجئين في غزة، في بيان يوم الخميس، إنه مع دخول القوات الإسرائيلية رفح من الشرق وتحركها بثبات غربًا نحو المركز، فإن المدينة "تتكون الآن من ثلاثة عوالم مختلفة تمامًا. الشرق عبارة عن منطقة حرب نموذجية، والوسط مدينة أشباح، والغرب عبارة عن كتلة مزدحمة من الناس الذين يعيشون في ظروف يرثى لها".

وأضافت "الهجوم المحدود لا يغير كثيرًا من حيث الواقع على الأرض... هناك ذعر وخوف في كل مكان".

وقال مسؤول إغاثة آخر تعمل منظمته داخل رفح، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب تعريض زملائه للخطر، إنه على عكس تصوير الحكومة الإسرائيلية لأنشطتها المحدودة الحالية في المدينة الجنوبية وما حولها، فإن رفح تتعرض بالفعل لتهديد عملية عسكرية كبيرة، مع قدرة محدودة على مساعدة المدنيين المحتاجين. وأوضح المصدر: "ما يحدث في رفح هو بداية بطيئة لعملية شاملة، حيث لا يزال المدنيون يُقتلون تحت غطاء الضربات الدقيقة".

المنظمات الإنسانية على الأرض في غزة، تقول إن الإدارة الأميركية ترفض ببساطة الاعتراف بما لا تريد رؤيته

وقالت النائبة سارة جاكوبس (ديمقراطية من كاليفورنيا) لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحفي: "لم يكن من الواضح للجمهور ما هو الفرق بين ما نراه الآن في رفح وما يمكن أن يتجاوز خط بايدن الأحمر. هل يمكنك أن تشرح لنا الفرق من فضلك؟".

ويقول المسؤولون الأميركيون، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الموضوع لـ"الواشنطن بوست"، إنهم يقبلون أنه سيكون هناك قتلى بين المدنيين خلال العمليات الإسرائيلية في رفح. لكنهم يصرون على أنهم ما زالوا يعارضون أي عمل يمكن أن يؤدي إلى عدد كبير من القتلى مماثل للعمليات الإسرائيلية السابقة في خانيونس ومدينة غزة.

وقال أحد كبار المسؤولين في لجنة الإنقاذ الدولية كيران دونيلي، إن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ أي تدابير لمساعدة مئات الآلاف من الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من رفح. وأضاف أن منطقة المواصي الساحلية، حيث أقام العديد من المدنيين ملاجئ مؤقتة، غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات الأساسية.