26-يونيو-2017

أعلن مجلس الشيوخ الموريتاني تعليق الأعمال التشريعية وقطع كافة الاتصالات مع الحكومة (محمد ولد الحاج/أ.ف.ب)

تشهد موريتانيا توترًا كبيرًا في ساحتها السياسية متمثلًا في خلاف حاد بين مجلس الشيوخ والحكومة، تصاعد بإعلان المجلس تعليق العمل التشريعي وقطع كافة أشكال الاتصال بالحكومة في البلاد، كما أنه يستعد لاتهام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز بالفساد المتعلق بثروته وثروة أبنائه، مما ينذر بمواجهات ساخنة قد تشهدها الساحة السياسية في الفترة المقبلة طرفيها النظام الحاكم ومجلس الشيوخ.

تصعيد مجلس الشيوخ

مجلس الشيوخ هو الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني، وقد أعلن قطعه كافة أشكال الاتصال بالحكومة وتعليق الأعمال التشريعية، مُشددًا على استمرار هذا التعليق إلى حين محاسبة وزير التعليم سيدي ولد سالم على "الإساءات" في حق المُشرّعين الموريتانيين ممثلين في أعضاء مجلس الشيوخ، وامتثال جهاز الدرك الوطني للقرار الصادر عن مجلس الشيوخ بالإيقاف التام للمتابعة في حق محمد ولد غده، وذلك عبر إعادة كل المحجوزات التي ما زال الدرك يرفض تسليمها لمحمد ولد غده، بما في ذلك السيارة والهاتف، فيما اعتبره المجلس "خرقًا وتحديًا سافرين لقرار مجلس الشيوخ بهذا الخصوص".

تصاعدت الأزمة بين مجلس الشيوخ الموريتاني والنظام الحاكم لدرجة التلويح بملف يُشكك في نزاهة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز وأبنائه

كما وأعلن المجلس في بيان له، بدء إجراءات الطعن لدى المجلس الدستوري في القانون الاستفتائي الذي يُفترض أن تقدمه الحكومة للاستفتاء الشعبي في الخامس من آب/أغسطس القادم.

اقرأ/ي أيضًا: ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا

ولا ينتهي تصعيد مجلس الشيوخ عند هذا الحد، إذ صرّح عضو المجلس محمد ولد غده بأنّ المجلس سيرفع ملفًا يُشكك في نزاهة ثروة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز وثروة أبنائه. وقال ولد غده في تدوينه له على فيسبوك: "نحن في مجلس الشيوخ نملك ملفًا واضحًا ضد الرئيس، واستجوبنا الوزير الأول حوله ولم يستطع الرد"، مُوضحًا أنّ الملف ينطلق من أنّ "الرئيس لم يصرح تصريحًا منشورًا بثروته ولا ثروة أبنائه طبقًا للقانون الموريتاني".

 

من جهتها نفت الحكومة الموريتانية مراسلة مجلس الشيوخ لها فيما يتعلق بالإجراءات التي عمد إليها المجلس، وجاء نفي الحكومة على لسان الناطق باسمها، محمد الأمين ولد الشيخ، والذي قال إن الحكومة لم تتلق أي خطاب رسمي من مجلس الشيوخ، مُضيفًا أنّ الحكومة مستعدة لتقديم الردود المطلوبة حال وصلها شيء رسمي، على حد قوله.

كيف اندلعت الأزمة؟

اندلعت الأزمة بين مجلس الشيوخ والحكومة قبل شهور، بعد تصريح لوزير التعليم العالي، سيدي ولد سالم، وصف فيه أعضاء المجلس بـ"المفسدين غير المسؤولين"، ما أثار غضب عارمًا لدى الأعضاء وطردوه من المجلس.

ولم يكن ذلك السبب الوحيد كما يبدو، فيضاف إليه احتجاز سيارة عضو المجلس محمد ولد دغه من قبل قوات الدرك في مدينة روصو جنوبي مرويتانيا، على إثر اتهامه بارتكابه حادث سير تسبب في وفاة مصرع شخصين وإصاة ثالث، في شهر أيار/مايو الماضي.

وعن الحادث قالت النيابة العامة في بيان لها، إنّ الإجراءات المتخذة مع ولد دغه "تمت بصفة قانونية صحيحة، وبتجرد وحياد، فالظروف المحيطة بارتكابه للأفعال المتابع بها، جعلته في حالة تلبس طبقًا لمقتضيات المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية، ومعلوم أن التلبس يهدم حصانة عضو البرلمان طبقًا للمادة 50 من الدستور"، وفقا للبيان.

اندلعت الأزمة في موريتانيا بعد أن وصف وزير التعليم العالي، أعضاء مجلس الشيوخ، من داخل المجلس، بـ"المفسدين غير المسؤولين"

لكن ما حدث مع ولد دغه أثار غضب مجلس الشيوخ الذي اتهم النيابة العامة لـ"خرق حصانة برلماني، وعدم احتران الدستور"، إذ نفى دفاع ولد دغه أن يكون متورطًا هو أو سيارته في أي حوادث سير، مُؤكدًا أنّ "السيارة لا تعاني من أي خدش يُؤكد الاصطدام".

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. تاريخ من الانقلابات

واتهم دفاع ولد دغه في بيان صحفي، النيابة العامة بـ"خرق مبادئ الحصانة البرلمانية، في إهانة واضحة لمكانة التمثيل البرلماني ولمجلس الشيوخ وللمؤسسات وللدستور"، مُضيفًا: "والنيابة العامة إذ لم تمنع عضو مجلس الشيوخ من المتابعة، فعلى الأقل تمنعه من التفتيش المهين ومن انتهاك خصوصياته وحرمة مراسلاته". 

وأضاف الدفاع: "تحولت الحصانة بفعل النيابة العامة وأعوانها، من حامٍ ومحصن تمنع صاحبها من التوقيف في الظروف التي يوقف فيها غيره من غير ذوي الحصانة، إلى ظرف مشدد يعرض صاحبه للتوقيف في الظروف التي لا يوقف فيها غيره، بل وتعرضه لانتهاك حقوقه وحرمة حياته الشخصية ومراسلاته".

مزيد من التعقيد

يُنبّئ تصعيد مجلس الشيوخ وتعليقه للعمل التشريعي ومقاطعته لكافة الاتصالات بالحكومة، بمزيدٍ من التعقيد للمشهد السياسي الموريتاني، بخاصة عندما يحين موعد الاستفتاء الشعبي المنتظر في آب/أغسطس القادم، والذي لا يمكن تمريره دون مصادقة المجلس، علمًا بأنّ الاستفتاء سيكون على قانونٍ استفتائي يهدف النظام من ورائه تجاوز المصادقة على تعديلات دستورية تلغي مجلس الشيوخ بكامله، كان المجلس قد أسقطها حين عرضها الرئيس عليه في شهر آذار/مارس الماضي.

ورغم تمتع الحزب الحاكم بأغلبية في مجلس الشيوخ، إلا أنّ هذا لم يشفع له عند أعضاء المجلس بعد رفضهم التعديلات التي تقدم بها الرئيس وعبّأ لها، ما وتّر العلاقة بين المجلس والرئيس الموريتاني الذي قاد انقلابًا عسكريًا على أوّل رئيس منتخب وهو سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، في آب/أغسطس 2008.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأزمة السياسية في موريتانيا والحوار المرتقب

لماذا قطعت موريتانيا علاقاتها بقطر من أجل السعودية؟.. ويكيليكس تجيبك